موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٧ أغسطس / آب ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد التاسع عشر من الزمن العادي، السنة أ، 2020
أنا هو، لا تخافوا!

أنا هو، لا تخافوا!

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

لفهم نص إنجيل اليوم (متى 14: 22-33) دعونا نستعين بمرجعين اثنين.

 

الأول هو سفر الخروج، إذ يمثل مرجعيّة للفصل الرابع عشر من إنجيل متى الذي بدأنا قراءته الأحد الماضي، مع معجزة تكثير الخبز والسمك.

 

ثمة العديد من العناصر المشتركة بين النصين الكتابيين. نجد في كليهما عنصر الصحراء حيث يسير الناس ويختبرون الجوع ونقص الطعام فضلًا عن تدخل الله ليُطعم أبناءه.

 

كما نجد اليوم عنصر البحر، الذي شكّل في سفر الخروج أول عائق للتحرر من مصر وما تبعه من إمكانية تحقيق العهد ودخول أرض الميعاد، بينما شكّل هذا العنصر في إنجيل متى عائقًا للتلاميذ الذين طلب منهم يسوع أن يسبقوه إلى الشاطئ المقابل. البحر هائج والرياح القوية تُرجع السفينة إلى الوراء وتحول دون وصول التلاميذ إلى تحقيق هدفهم.

 

إلا أنه يوجد اختلاف بين النصين. في سفر الخروج، يُطيع موسى الله ويشق البحر حتى يعبر الناس من خلاله إلى اليبس. يتكرر حصول ذلك مع أنبياء آخرين؛ ففي سفر الملوك الثاني مثلًا يشق النبي إيليا نهر الأردن حتى يعبر منه إلى اليبس هو وتلميذه اليشاع.

 

أما يسوع فلا يشق البحر بل يمشي عليه (متى 14: 25)، أي يسيطر عليه لأنه الرب.

 

لا يخصّ هذا الأمر يسوع فحسب بل يتعداه إلى تلاميذه. ها إن بطرس يستطيع القيام بذلك، ولكن ليس بقوته كما سنرى، بل بطاعته ليسوع الذي يدعوه لمشاركته قواه.

 

المرجع الثاني هو أناجيل الأحد الماضي. لقد فهمنا من مَثَليّ الكنز واللؤلؤة أن ملكوت الله يتحقق عندما نستطيع أن نجد ونرى المخفي يظهر على السطح. الأحد الماضي، كان الكنز مخفيًا في الخبز والسمك الذي قدّمه أحدهم. وعند جلبه ليسوع استطاع أن يُطعم بسخاء جمعًا كبيرًا.

 

واليوم أيضًا يمشي يسوع على الماء والتلاميذ مدعوون لأن يُمعنوا النظر. يعتقدون في البداية أن ما يرونه هو خيال ولا يمكن لأحد أن يمشي على الماء، إلا أنهم يحرزون تقدما.

 

يربط التلاميذ حركة المشي على الماء مع الكلمة التي يقولها يسوع والتي تكشف عن حقيقة هذا الرجل: "أنا هو!" (متى 14: 27)، ليتوقف عندها الخوف ويحلّ مكانه الذهول والثقة وأخيرًا جرأة بطرس الذي شعر أن بإمكانه هو أيضًا المشي على الماء.

 

بطرس في الواقع هو شخصية النص الرئيسية. يخبرنا القديس متى وحده عن هذه المعلومة المهمة حيث ينزل بطرس من السفينة ويمشي نحو يسوع ويعرض نفسه للغرق.

 

ربما هذا ما يريد الإنجيلي أن نفهمه.

 

كما قلنا، لا يقوم بطرس بكل هذا بمهارته. قدرته تكمن في علاقته مع يسوع والحوار الذي يدور معه، وفي نظرته القادرة أن ترى في يسوع الرب المنتصر على الشر والموت. بكلمة واحدة، تكمن قوة بطرس في إيمانه.

 

البحر موجود ولا يمكن العبور على اليبس. من الضروري مواجهة عنف الأمواج والرياح، التي ترافق كل عبور لنا أي أنها ترافق حياة التلميذ كلها.

 

عندما يتصدع هذا الإيمان سيجد الإنسان نفسه وحيدًا في مواجهة قوة الشر ومضطرا للاعتماد على قواه التي سيختبر سريعا قصورها وعدم ملاءمتها.

 

هذه أيضًا تجربة يومية ترافق كل عبور.

 

إلا أن الأمر لا ينتهي هناك. في الواقع تلد آنذاك الصلاة الحقيقية، صلاة الذين يتكلون على الرب من دون تحفظ: "يا رَب، نَجني" (متى ١٤: ٣٠). يقول متى أن يسوع مدّ يده فورًا وأمسك ببطرس.

 

لعله حينما نواجه الموت ويسيطر الخوف على حياتنا، حينها فقط ترتفع صرختنا الحقيقية الصادقة.

 

في تلك اللحظة، وبطريقة جديدة، سنختبر أن الله سينجينا حقًا.