موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٩ مارس / آذار ٢٠٢٠
عظة المطران وليم الشوملي في الأحد الرابع للزمن الأربعيني
للأحد الثالث على التوالي... مسيحيو الأردن يشاركون في قداس الأحد عبر الانترنت

أبونا :

 

ترأس المطران وليم الشوملي، النائب البطريركي للاتين في الأردن، قداس الأحد الرابع من الزمن الأربعيني، في كنيسة العذراء الناصرية في منطقة الصويفية، غرب عمّان، بمشاركة كاهن الرعيّة الأب طوني هريمات، ومدير المركز الكاثوليكي الأب رفعت بدر، والشماس الإنجيلي الدائم جبران سلامة.

 

وتمّ بث القداس الإلهي عبر صفحة موقع abouna.org على الفيسبوك، التابع للمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، للأسبوع الثالث على التوالي، وذلك بعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأردنيّة، وغيرها من حكومات المنطقة والعالم، لإيقاف تفشي وباء كورونا المستجد.

 

وجدد المطران شوملي دعوته للصلاة البيتية. وخاطب سيادته المؤمنين عبر مواقع التواصل، قائلا: "عرفتُ أن بعضكم يصلّي في البيت المسبحة الوردية، أو مسبحة الرحمة الإلهية. والبعض يتابع درب الصليب. والبعض يقرأ الكتاب المقدس. يا ليت هذه الممارسة تبقى بعد زوال الوباء. ويا ليتنا نحول بيتنا إلى كنيسة بيتية".

 

وفيما يلي النص الكامل لعظة المطران شوملي:

 

انجيل الرجل الذي ولد أعمى

 

إخوتي وأخواتي، أحييكم جميعًا من كنيسة العذراء الناصرية من الصويفية في هذا الأحد الرابع من الصوم. وأدعوكم إلى فعل التوبة كي تكون صلاتنا مقبولة. للأسبوع الثالث على التوالي، تتتابعون القداس من بيوتكم. كما تابعتم بالأمس صلاة قداسة البابا من ساحة مار بطرس فنلتم الغفران الكامل وهي نعمة كبيرة ننالها في هذه الأزمنة المضطربة لتقوية إيماننا. تأكدوا ان الله يقبل صلاتكم وأنتم في بيوتكم. لماذا لا والعباد الحقيقيون يعبدون الله بالروح والحق، كما قال يسوع للسامرية في الأحد الماضي.

 

وفي هذا الأحد الرابع من الصوم تروي لنا الكنيسة إنجيلا مؤثرا موضوعه شفاء الرجل الأعمى منذ ولادته. شفاه الرب بطريقة عجيبة غريبة. كيف صار ذلك؟ طلى يسوع بالطين عيني الأعمى وطلب منه أن يغتسل في بركة سلوام الواقعة شرقي القدس. فأطاع واغتسل وأصبح بصيرًا.

 

ما معانى هذه المعجزة؟

 

أول معنى أن يسوع أشفق على الرجل وأراد أن يشفيه.

 

ثانيًا: أراد أن يقول لنا إن الإيمان يصنع المعجزات. شفي الرجل لأنه امن بقدرة الرب على شفائه فأطاع وذهب واغتسل فكان له ما أراد. فكان الشفاء ثمرة الايمان.

 

ثالثًا: هناك معنى مرتبط بالعماد. المعجزة تشير بشكل رمزي الى سر العماد. ووجه الشبه واضح. بركة سلوام ترمز الى جرن المعمودية. والأعمى الى الموعوظ طالب العماد، واغتسال الأعمى في البركة يشير الى غسلنا بماء المعمودية. وكما أن الأعمى اكتسب باغتساله نور البصر فكذلك نكتسب نحن بالعماد نور الإيمان الذي يرافقنا طيلة حياتنا. وكما أن الغبش في عيني الأعمى حرمه نور البصر فكذلك الخطيئة تحجب عنا نور الايمان. ووضع الطين على عيني الأعمى يذكرنا بالطين الذي جبله الله في سفر التكوين ليخلق آدم. معنى ذلك أن الأعمى بدأ حياة جديدة بعد شفائه وكذلك المعمد هو مولود جديد وخليقة جديدة. واعتادت الكنيسة أن تقرأ هذا النص في زمن الصوم لأنها اعتادت أن تمنح العماد ليلة سبت النور.

 

إخوتي وأخواتي، لنتكلم قليلاً عن دور الإيمان في حياتنا.

 

الإيمان هو كنزٌ ثمين. هو أثمن من المال والعلم والصحة والشهرة والمنصب، لأنه من مرتبة الروح وليس من مراتب المادة. الايمان هو نور باهر: يجعلنا نرى ما هو غير مرئي وننظر الى ما هو غير منظور بالعين، ونعرف ما هو غير معروف بالعقل البشري لا بل وأن نقدر على ما هو غير مقدور عليه بقوانا الطبيعية.

 

نور الايمان أقوى من نور العقل مثلما نور الشمس أقوى من نور الشمعة. الشمعة تسمح بأن نرى عن مسافة قصيرة، أما الشمس فتسمح لنا أن نرى الكون الفسيح. نعم الايمان هو رؤية أعمق وابعد وأعلى مما نقدر أن نراه بعيوننا البشرية. لأن الايمان يمنحنا أن ننظر إلى الناس والأحداث والأشياء بعيون الله تعالى.

 

ولا يمكن التحدث عن الايمان دون ذكر صلاة الايمان. بالإيمان تكتسب صلاتنا قوة خارقة: "لو كان عندكم ايمان بمقدار حبة الخردل، قال يسوع، لقلتم لهذا الجبل انتقل من هنا لأطاعكم". حبة الخردل هي من أصغر الحبوب ورغم ذلك فإنها تكفي لتحريك الجبال. ويعني يسوع بالجبال كل الصعوبات التي يستحيل معالجتها لوحدنا. وإذا كان قليل من الايمان يحرك جبلا كبيرا فكم ايماننا بالله قادر على اقصاء وابعاد الأوبئة وقهر الفيروس الصغير الذي ما زال يهددنا؟  نعم سننتصر عليه بنعمة الله. فبإمكان الرب أن يلهم العلماء الى اكتشاف الدواء الذي يقضي عليه فورا. وكلما ضاعفنا صلاة الايمان كلما أسرع الرب في الاستجابة. لن يتركنا الرب وحدنا في الخوف. بل سيحررنا من الوباء القتال ومن الخوف منه ومن نتائجه المخيفة على حياتنا الاجتماعية والاقتصادية.

 

وبعد أن اكتشفنا غنى الإيمان لنتساءل: كيف يمكن أن أعيش ايماني في هذه الأيام؟

 

عيش الايمان يفترض انقلابًا جذريًا في حياتِي. يتطلب ترك أمور كثيرة لا يرضى عنها الله وسلوك نهج حياة جديدة. ولا بد أن تعلمنا في الأسابيع السابقة دروسًا وعبرًا أهمها الهشاشة البشرية وحاجتنا الى الله.

 

وإذا آمنت حقًا فلا بد من ترجمة ذلك عمليًا. وعلى سبيل المثال لا الحصر: المؤمن لا يضحي بقداس الأحد ولا لأي سبب. ويقترب بانتظام واحترام من سري التوبة والمناولة، ويمارس قراءة يومية لكلام الله. مطلوب من المؤمن أن يقبل صليبه اليومي بدون تذمر وكأنه هدية من الله. كما مطلوب منه أن يحمل ثمار الايمان لأن الايمان بدون أعمال ميت. فمن يمارس الايمان لا بدّ أن يملك باقي الفضائل. المؤمن فرح، المؤمن مطيع، المؤمن عفيف، المؤمن غير متعلق بالمال، المؤمن يتكل على العناية الربانية، المؤمن تقي وديع، رحيم، مسالم، المؤمن محب ومحبوب من الله والناس. في هذه الأيام لنفكر بغيرنا الذين هم في حاجة أكثر منا. فلنعطِ بقلب متهلّل لمن هم أقل حظا منا وسيعطينا الرب أضعاف ذلك. وطوبى للمعطي المتهلل.

 

إخوتي في هذه الأيام التي لا نقدر فيها أن نجتمع معا في بيت الله، أحثكم مرة أخرى على الصلاة البيتية. فبدون الصلاة يضعف ايماننا وتنهار عزيمتنا. عرفتُ أن بعضَكُم يصلّي في البيت المسبحة الوردية أو مسبحة الرحمة الإلهية. والبعض يتابع درب الصليب. والبعض يقرأ الكتاب المقدس. يا ليت هذه الممارسة تبقى بعد زوال الوباء. يا ليتنا نحول بيتنا الى كنيسة بيتية. وينطبق علينا ما قاله يسوع في موقف مختلف: "إذا صليت أدخل مخدعك وصل إلى أبيك الذي يرى في الخفية وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك". واسمحوا لي أن أعيد قراءة الآية في ضوء ظروفنا: إن جاءكم الوباء فالزموا بيوتكم وأغلقوا أبوابها وصلوا الى أبيكم الذي في السماوات وأبوكم الذي يرى في الخفية يجازيكم".

 

إخوتي وأخواتي، مع الأعمى نقول: "إني أومن يا رب فزدني إيمانًا". أمين