موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٦ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠
عظة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثاني والثلاثون من الزمن العادي، السنة أ

البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا :

 

(متى 25: 1-13)

 

إنّ خلفية الآحاد الأخيرة من السنة الليتورجية ملوّنة بلون الترقّب وانتظار عودة الرب.

 

الترقب كلمة أساسيّة في رحلة إيماننا، على غرار كلمات أخرى كالمحبّة والنعمة والمغفرة...

 

في الواقع، يقدر على الانتظار والبقاء في حالة من الترقب هو فقط ذلك الذي يثق بأنّ الشخص المرتقب سوف يأتي حتما.  

 

ربما لا يعرف الإنسان المنتظِر متى سيأتي الشخص المنتظَر (متى ٢٥: ١٣)، ولا يعرف طول مدة الانتظار، لكنه، مع ذلك، يترقّب لأنه يريد أن يكون حاضرًا عند وصول الشخص المنتظَر في نهاية المطاف.

 

إنّ هذا الكلام، بالنسبة لنا المسيحيين، مهم جدا، ويؤثر تأثيرا قويًا على إيماننا وعلى السرّ الذي نؤمن به، والذي نعلّق عليه رجاءنا الوحيد، ألا وهو القيامة.

 

في الواقع، لو كان يسوع قد مات وحسب، لما كنّا الآن ننتظر شيئا، لكان كل شيء قد انتهى عند باب القبر.

 

على الأكثر يمكن أن نتذكره، وأن نستعيد كلماته، ونستذكر حركاته ومآثره وليس أكثر من ذلك.

 

لكن منذ أن قام يسوع من الموت، فإنه هو الشخص الآتي، وهو الذي يأتي باستمرار، ويمكن ترقبه دائمًا، لأنه من خلال سر قيامته، ومن خلال حياته، التي لا نهاية لها، يمكنه دائمًا الوصول إلينا، وأن يكون دائمًا معنا.

 

نقرأ اليوم مثل العذارى العشر، اللواتي ينتظرن وصول العريس (متى 25: 1-13). نقرأه من هذا المنظور. 

 

يدور المثل حول خمس عذارى حكيمات وخمس جاهلات (متى 25: 2)، ونحن نتوقع أن الجاهلات هنّ اللواتي ينمن أثناء الانتظار، بينما تظل الحكيمات يقظات.

 

غير أنّ الأمر ليس كذلك: جميعهن ينمن، والفرق لا يكمن هنا.

 

الفرق هو أنه ساعة استيقاظهن لا يزال لدى بعضهنّ زيت، بينما الأخريات فلا.

 

الحكيمات هن اللواتي يحتفظن بكمية من الزيت تدوم حتى وصول العريس، بحيث يستطعن الصمود في حالة تأخره، بينما الأخريات فلا.

 

وفي اللحظة الّتي يصل فيها العريس، تنطفئ مصابيح الجاهلات، ويخبو انتظارهن.

 

عندما يصل العريس، يتواجدن هناك، لكنهنّ، في الواقع، لم يعدن ينتظرنه، ولذلك، وبسبب مكوثهنّ في الظلام، لا يتعرفن عليه ولا يمكنه أن يتعرف عليهن (متى 25: 12).

 

وثمة تفصيل يثير الاهتمام، ويفضح عدم قدرة الجاهلات على الانتظار: عندما يدركن أنه لم يعد لديهن زيت، يستقرضن من رفيقاتهن الحكيمات (متى 25: 8): كما لو كان الزيت أمرا يمكن تحصيله في لحظة من الزمن، وكأنه ليس ثمرة ارتداد الإرادة بشكل يومي ودؤوب.

 

يمكننا القول إن الذي يحبّ هو وحده يواصل الانتظار. والذي يحب هو وحده لا ينخدع من الظواهر البراقة ومن الأمور التي لا تنضج عبر المحنة، ولم تختبر التعاقب الطويل والصامت لفصول الحياة.

 

إنّ الإيمان هو ذلك التدريب المستمر، الذي يؤتي ثماره الناضجة في النهاية فقط، من خلال اللقاء مع الرب. وسيكون اللقاءً أكمل وأكثر إشراقًا كلما ازداد استغلال زمن الحياة في تعزيز كل ما يسمح لنا بأن نتعرف على الرب وبأن يتعرف علينا.

 

ملاحظة أخيرة.

 

في هذا المثل يتم الحديث عن العريس، وليس عن العروس.

 

هذه العروس، التي تلوح في الأفق البعيد، هي البشرية جمعاء، التي يريد الرب أن يعقد قرانه النهائي عليها، وأن يبرم معها عهدا أبديا، بينما العذارى المنتظرات العريس هنّ صورةٌ عن الكنيسة، المدعوّة إلى الحفاظ على مخطط الربّ في العالم، وإلى عيش الحبّ الذي يغذي الرجاء المؤكّد لعودته، بغرض الاتحاد به.

 

والكنيسة مدعوّة للقيام بذلك، ليس من أجل نفسها فقط، بل من أجل الجميع وباسم الجميع.