موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠
عظة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثالث والثلاثين من الزمن العادي، السنة أ

البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا :

 

ننطلق في تأملنا لنص إنجيل اليوم (متى ٢٥: ١٤- ٣٠) من إنجيل الأحد الماضي (متى ٢٥: ١- ١٣). لقد رأينا أن العذارى الحكيمات، في انتظارهن للعريس، قمن بتوفير زيت كاف لمصابيحهن، وذلك لتغذية شعلة النور حتى وصول العريس.

 

وعليه، رأينا أن الحكمة ترتبط ارتباطًا عميقًا مع القدرة على الانتظار. مَن ينتظر مجيء شخص ما يبقى مرتقِبًا وخلّاقًا ويقظًا في الحياة. والانتظار هو إعطاء حيّز لعمق الحياة والبحث عن معناها مما يولّد ديناميكية تجعل الحياة أجمل.

 

وفي المقابل، إن الذين لا ينتظرون، لا يرون داعيا للقيام بما يلزم كما لو أن الحياة تمضي من دون الحاجة إلى المشاركة فيها.

 

ينطبق ذات التفسير على نص إنجيل اليوم. ثمة ترقّب ناتج عن سفر ربّ البيت في رحلة طويلة.

 

إلا أنه قبل أن يغادر، لم يترك خَدمَه في حالة من الخمول والكسل، بل سلّم إليهم أملاكه وأمور بيته.

 

يتبادر إلى الذهن هنا ما جاء في الفصول الأولى من سفر التكوين؛ الله يخلق العالم وينسحب ويعهد ببيته وخلقه كله للإنسان ليرعاه ويحرسه (تكوين ٢: ١٥).

 

ما يثير الاهتمام أيضًا هو الترتيب الذي استخدم فيه كاتب سفر التكوين هاتين الكلمتين. في البداية، لم يطلب الله من الإنسان حراسة البستان والدفاع عنه من أعداء مُحتملين أو للحفاظ عليه من أي خطر أو مكروه، بل أن ليفلحه، أي تكثيف جهوده كي بكون هذا البستان في أبهى جماله وبهائه وإمكانياته من أجل خير الجميع.

 

كذلك الأمر في مَثَل اليوم. يستثمر بعض الخدم الوزنات التي تلقوها، ويعرّضون أنفسهم لمخاطرة ممكن أن تنتهي بخسارة كل شيء. كما ويدركون أن الوزنات تتضاعف في حالة استثمارها بطريقة جيدة.

 

إلا أن الخادم الذي تلقّى وزنة واحدة قام بحراستها ولم يستثمرها. هو لم يرتكب أيّ خطأ، كما أنه لم يفقدها ولكن لم يستثمرها بل خبأها (متى ٢٥: ١٨).         

 

قام الخادم بذلك بدافع الخوف (متى ٢٥: ٢٥) النابع من معرفة مغلوطة لسيّده ولانعدام الثقة به.

 

في الواقع، بينما يتكلم الخادمان الأولان عن سيدهما بصفته شخص معطاء (متى ٢٥: ٢٠، ٢٢) يتكلم الشخص الثالث عن سيده بصفة كونه شخصا طمّاعا (متى ٢٥: ٢٤).

 

من المثير للاهتمام أننا نجد الديناميكية ذاتها في سفر التكوين. عندما يتوقف الإنسان عن اعتبار الله أبا بل شخصًا طمّاعا يسلب الحياة بدلًا من أن يمنحها، فسيحاول أن يُخلّص نفسه بذراعه وأن يمنح الحياة لذاته. في النهاية هو يخاف ويقوم بالاختباء.

 

وعليه، نستطيع القول إن مَثَل اليوم ربما يريد أن يُخبرنا أولًا أن الترقب والانتظار لا يشمل الموقف الخامل الذي يتخذه الذين لا يقومون بأي جهد بل ينتظرون، وهم يتفرجون على ما سيحدث.

 

كما ويريد أن يُخبرنا بأن الانتظار هو أمر خلّاق يولّد الحياة فقط في حالة انتظار الإنسان لذلك المخلص الذي هو أملنا في كل شيء، الشخص المعروف عنه بأنه صالح.

 

عندها لن تعود خائفًا وستعلم كيف تخاطر.

 

إن الذي ينتظر فعلًا هو فقط من يخاطر بكل شيء، ويعلم أنه كيفما جرت الأمور، فإن الخير الأعظم الذي تلقاه من الله لن يذهب سدى، وهذا الخير هو كونه ابنا محبوبا دائما وأبدا.