موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٣ مايو / أيار ٢٠٢٠
ضرورة تكريم العذراء مريم
فلتصمت الخليقة جمعاء أمام عظمة البتول القديسة مقدرة لها سمو مقامها وعظمة مجدها

فلتصمت الخليقة جمعاء أمام عظمة البتول القديسة مقدرة لها سمو مقامها وعظمة مجدها

المطران كريكور اوغسطينوس كوسا :

 

الفرق بين التكريم والعبادة

 

التكريم هو تقديم الإكرام والإحترام والخضوع لشخص آخر شهادةً واحترامًا بسموه.

 

أما العبادة فهي خاصة بالله وحده بما أنه الرب السامي، الكائن بالذات، والإله الحق، الإله الخالق وغير متناهي في الكمال والقداسة، فتعترف الخليقة بعدمها أمام ربّها وإلهها.

 

والإكرام العادي هو ما يُقدّم للملائكة والقديسين بما أنهم المقرّبون إليه تعالى. فإحترامنا لهم راجع إلى الله.

 

والإكرام الفائق هو الذي يفوق إكرام الملائكة والقديسين والخاص بمريم العذراء والدة الإله وحدها. بما أنها تفوق الملائكة والقديسين جميعاً بالنعمة والكمال والمجد.

 

فإذا كان الشخص يستحق الإكرام بقدر عظمته ورفعة ومقامه، فكم تستحق إذاً منا الإكرام من ارتفعت متسامية في كلّ شيء على جميع الخلائق الأرضية والسماوية، ولم تنل السمو من الخليقة الأرضية، بل من الله تعالى القوي القدير، كما قالت العذراء مريم نفسها: "لأن القدير آتاني فضلاً عظيماً، قدّوسٌ اسْمُه" (لوقا ١: ٤٩).

 

ولقد أشار القديس اوغسطينوس الشهير بذكاء عقله وتوقد ذهنه إذ قال: "ليس للعقل أن يدرك كمال العذراء ولا للسان أن يصف سمو مقامها".

 

فإن مريم بإختيارها أُماً لإبن الله قد أشركها الآب الأزلي في أبوته لإبنه الحبيب معها في أمومتها له.

 

فمنذ الأزل الآب ولد الإبن، وفي ملء الزمان ولدت مريم يسوع ابن الله، "فلمّا تمّ الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً لإمرأةٍ، مولوداً في حُكم الشريعة ليفتدي الذين هم في حُكم الشريعة، فنحظى بالتبني" (غلاطية ٤: ٤-٥).

 

الأبوة الإلهية وأمومة مريم

 

أجل إن الله أشرك أهل السماء فيما اختاره لهم من قداسته ومحبته، وأشرك أهل الأرض فيما قدّر لهم من علمه وقدرته، لكنه لم يشرك أحداً في شيء من أبوته الإلهية إلاّ مريم في أمومتها المجيدة، فقد نالت الشرف العظيم، والسر العجيب الذي حبا به مريم في ولادتها لإبنه الإلهي. وكونها أُماً للكلمة، ابن الله المتأنس، قد أعطاها قوة كبيرة من الطبيعة الإلهية. كما قال المعلّم الملائكي المستنير الفهم القديس توما الأكويني: “طوبى للبتول فإنها قد اكتسبت مصاهرة روحية مع الله نظراً إلى كونها أُماً للمسيح الإله. فلتصمت إذاً الخليقة جمعاء أمام عظمة البتول القديسة مقدرة لها سمو مقامها وعظمة مجدها".

 

لا يصل أحد إلى الابن إلاّ بالأُم ثمرة خلاصنا

 

ونحن لا نقدّم لها الإكرام الفائق من أجل سموها وعظمتها فقط، بل من أجل فاعليتها بخلاصنا أيضاً. فكلنا نرغب جيداً أن نكون من مصاف المختارين، إلاّ أنه لا ينال أحد الخلاص إلا بالمسيح يسوع، لأنه لا يستطيع أحد الوصول إلى الآب إلاّ بِالابْن، كما لا يصل أحد إلى الابن إلاً بالأم. وقد أجمع كل الآباء والقديسين على أن جميع النعم توزع علينا على يدي مريم البتول.

 

فتكريمها إذاً ضروري للخلاص. وبهذا المعنى قال القديس برنردس: "بما أن الله قد منح مريم ثمرة خلاصنا فلا رجاء ولا نعم ولا خلاص لنا بدونها". وقد سأل القديس بطرس داميان قائلاً "لماذا لا يتجسّد ابن الله في أحشاء مريم قبل أن يأخذ رضاها؟" وأجاب هو بنفسه على سؤاله بقوله المشهور: "ذلك لأمرين، الأول: ليلزمنا بأداء المعروف لها، والثاني: لكي يعلمنا أن خلاص العالم بأسره مرتبط بها".

 

ثمّ ان إكرام مريم فضلاً عن أنه يكون لها عربون خلاص أبدي، فهو لنا ينبوع خيرات وبركات سامية زمنية وروحيّة، لأن لها في السماء قوة الإلتماس، لا بل قوّة الأمر، وأن لا تترك أفعال محبيها تذهب سُدى وبدون مكافأة. بل إنها تجازيهم بأفضل مما كرّموها به كثيرًا.