موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٣٠ يونيو / حزيران ٢٠٢٠
صوت جديد لصالح "فلسطين الغد": رؤية علمانية مسيحية ضمن لغة "النقد الذاتي"

بقلم الدكتور سامي باشا :

 

حان الوقت وقد أتت الساعة لأتكلم وعلى مسمع الجميع وأشارك بما أعتقد أنه بمثابة ركيزة وأفق جديد قادر على إخراجنا من بوتقة الاحتلال البغيض لأرضنا ولشعبنا وليمنحنا نور الرجاء والأمل في مستقبل واعد لأجيال المستقبل في أرضنا المقدسة، "فلسطين" ضمن بُعدها المحلي والإقليمي والدولي.

 

إن فلسطين التاريخية، كانت وما زالت وستبقى مرجعا ومستندا ومدرسة عظيمة لن نتخلى عنها بل نؤكد على كونها موطن الأنبياء والمؤمنين وستبقى منارة لجميع المواطنين؛ متساوين في الكرامة الاجتماعية ومتساوين أمام القانون دون تمييز للجنس، والعرق، واللغة، والدين، والآراء السياسية والظروف الشخصية والاجتماعية.

 

أود أن أضع مشاركتي في لغة "النقد الذاتي" ممزوجة بفكر وطني بعيد كل البعد عن الحزبية وبناء على قراءة تاريخية تستثني الصراخ والعويل والادعاء بحكمة سليمان. أتحدث من منطلق جرأة الأكاديميين والمثقفين بدون مغازلة أحد كون حرية التعبير جزءا من حرارة المقاومة بعيدة عن ديماغوجية الشعوبية. أصبحنا سطحيين لدرجة أننا نعطي ردود فعل مليئة بالعواطف ولا نقدم إجابات كاسرة لظهر البعير وقادرة أن تجزم في بعض الأمور المصيرية ولمستقبل المنطقة بأكملها.

 

يزعجني جدا أن أرى فراغاً دستورياً نعيشه منذ سنوات طويلة وخصوصا في ظل غياب المجلس التشريعي الفلسطيني الذي بحد ذاته غير مكتمل بعدم اكتمال بناء الدولة، بالإضافة الى قوانين مرهونة للآراء الحزبية والعشائرية ناهيك عن شعب دخل في سُبات القرن. ينتابني شعور أن التخطيط ارتجالي وفردي، وحزبية طغت على الوطنية في ضوء مشاعر من الحزن والغضب والفوضى المنهجية التي يعيشها كل مواطن فلسطيني أينما كان في الضفة الغربية، وقطاع غزة، والكل الفلسطيني في داخل الخط الأخضر وفي كل مكان وزمان.

 

إنها مرحلة هامة وحساسة لكنها وفي نفس الوقت تحوي فرصا ذهبية لا يمكن تجاهلها، فقد حان الوقت لتحرير معارضينا من الأفكار الخاطئة التي يحملونها عنا، بدل من أن نُغَطي فَشلنا بشبه مواقف نأخذها في الوقت الضائع! لقد حان الوقت للتحرك وفق مخطط استراتيجي وليس ضمن شعارات تكتيكية ابقتنا في مكاننا لمدة تزيد عن 25 عاما من مفاوضات دون جدوى انتهت بكتاب "الحياة مفاوضات". انها فرصة ذهبية لحوار شامل وبمشاركة الكل الفلسطيني دون الاقتصار على الأحزاب التي تعبنا منها وفشلنا معها في تحقيق ابسط ما كان يمكن تحقيقه ألا وهو الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي عصف بقضيتنا وأخسرنا مصداقية وشرعية وسمعة "سوء الإدارة" كنا بالغنى عنها، وها نحن اليوم بدأنا بدفع الفواتير التي ستكون مزعجة ومقلقة وقد تصل بنا الى الانهيار والانحدار نحو الهاوية ونهاية بداية لحقبة لا بد من مواجهتها بأدوات جديدة مبنية على المنطق والحق والعدل لنا ولغيرنا.

 

سلوكيات البعض قامت بفتح الفرص لتهجير النخب، ففي الوقت الذي بدأ فيه الكثيرون يفقدون الرغبة في العمل ووصلوا الى قناعات مقلقة اضحت بالوضع على حاله، توجب التسارع في إرجاع الروح للعمل الوطني بجميع مجالاته ومن أوسع أبوابه، دون الحصرية في الفعل والخروج من العقلية الحزبية وإعطاء فرصة أخيرة لحركة التحرر الوطني بمفهومها الوطني الواسع والشامل أن تعمل وتقود القضية من جديد نحو أفق مستحدث وفرص جديدة عقلانية مقبولة لنا وللمجتمع الدولي الذي ما زال في حالة انتظار لسماع ذوي ألمَنا بلغة جديدة.

 

أعتقد أن إبداء الرأي والمعارضة في الكثير من الأحيان هي مواقف مشرفة وعنوان للديمقراطية. فهي شرارة الحوار الداخلي الذي توجب البدء به حالا دون شروط ولا قيود، وإلا سنبقى في دائرة الشعور بأننا الضحية ونحن أعداء لبعضنا البعض، ونبقى سجناء للانقسام رغم أن الاختلاف بيننا هو مصدر قوة. لا يمكننا قبول هذا الانقسام البغيض فقد حان الوقت لإعطاء الصوت للشعب من جديد ومن خلال "رفيريندوم" وطني شامل يضع أسئلة مزعجة وواضحة وجريئة دون محرمات، فلا يمكن أن نُجبر عدة أجيال قادمة أن تحلم بما لا يمكن تحقيقه وأن نعطي مساحة لأفراد أن يقودوا مسيرة شعب دون العودة اليه ولرغبته وما يريد ان يكون.

 

أعاتب أحبائي في المؤسسات التعليمية وخصوصا المسيحية منها، والتي كانت ريادية في التعليم والفكر في فلسطين، وأتساءل معهم إذا كان بالإمكان التوقف للحظة والتفكير بدورهم الحقيقي في بناء الإنسان، ولماذا أصبحت هذه المؤسسات تبعية المنهج التعليمي ونخبوية، وفي بعض الأحيان تحولت الى مؤسسات غير ربحية كما وصفها البابا فرنسيس، ونسيت دعوتها الحقيقية في قيادة التحرر من أجل إنسان أفضل لمجتمعه.

 

لقد أصبحت روايتنا ضعيفة في العالم وخسرنا المصداقية في كثير من المحافل، وأصبحنا دون قاعدة نرتكز عليها، ففي الوقت الذي تم فيه تغريب صوت المنظمة بالخارج واستبدالها بسفارات خارجية هادئة نسبياً وبهيئات إدارية وموظفين في الداخل بمسميات وألقاب وضمائر مرفوعة ومكسورة، حان الوقت لإعادة النظر بكل ما قمنا بتسميته إنجازات والاستفادة من التجربة للتحضير لمرحلة جديدة. فلا يمكن السماح بخلق فراغ دون اعطاء إجابات وترك المجال مفتوح لردود فعل قد لا نستطيع ضبطها، ولا سمح الله الوصول الى نهاية قد تكون محتومة لقضية جوهرية للإنسانية أجمع. فلنا تاريخ توجب صيانته وجعله أساسيا في مناهجنا التعليمية دون التغني بتاريخ غير نافع لأجيالنا، ولنا كرامة لا يمكن الإفراط بها على المعابر ونقاط التواصل والساحات الدولية، ولنا عِلم وثقافة لا يمكن ان تُختزل بمؤسسات تعليمية تنتج فقط شهادات في غالبيتها، ولنا قضية قد نعتبرها بالعذراء الطاهرة التي توجب أن نستحقها ونكتسب ثقتها من جديد.

 

أريد من خلال ما أكتب أن أكون صوت العدالة والحق واللاعنف واللاحزبية ومع ذلك أُفَضِل الوطنية. إنه صوتي الشخصي الذين أريد أن أرفعه عاليًا مع الكُّل الفلسطيني، وأعتقد بأنني أُمثل الكثيرين ممن يرغبون بالحديث وتنقصهم الفرص والشجاعة. أنا صوت فلسطيني علماني وأنتمي الى ايمان مسيحي واعد يُحب وطنه ويشارك في بناء مستقبل ديمقراطي عادل لجميع مواطنيه دون تمييز ولا تفريق وهذا ما توجب عكسه في دستورنا وتشريعاتنا وقوانيننا ومناهجنا التعليمية التي ما زالت بحاجة الى إعادة النظر فيها وبمضامينها. أنا صوت مُثقف لا يَسكت عن الخطأ ولا يقبل بالذل ويرفض الرضوخ للأمر الواقع. أمامنا مسيرة نستحق العيش من اجلها، ونعيد معا ومع شاعرنا الكبير محمود درويش: "على هذا الأرض ما يستحق الحياة".

 

أترككم برسالة توجب الإجابة عليها قبل فوات الأوان: "ماذا لو" أعدنا الثقة للجسم الهزيل الذي يمثل الكُّل الفلسطيني الوطني وليس الحزبي من خلال مؤتمر تاريخي نسميه "فلسطين الغد" نناقش فيه ونخطط للمرحلة القادمة من منطلق تشاركي في الألم والمسؤولية والأدوار. لا يوجد دعوة لإنشاء أحزاب جديدة بل فكر ورؤية جديدة من منطلق المعطيات الجديدة، فقد حان الوقت أن نخرج من دوامة مفاوضات بلا فائدة، ووعود دون ايفاء، وشركاء دون التزامات. إن فكرة ما أكتب تم استيحاءها من كتاب تم نشره عام 1972، من قبل عدة شخصيات فلسطينية من بينها الرئيس الراحل عرفات، والمفكر الفلسطيني الراحل ادوار سعيد، ضمن رؤية فلسطينية ترى الجميع بسلام وتآخي واستقرار.

 

لا أريد أن أبني على ماء راقد، بل على بحر يشتاق لرواد لا يهزهم الريح، وبروح ثورية تريد إعادة الأمور الى نصابها وركوب الغيوم بخيول أذهاننا التي تقوى على كل باطل وظلم. ومن كان له اذن للسمع فليسمع! أريد الإصغاء لأفكاركم وآرائكم ولنخلق معا مساحة وأفكار جديدة فنحن نستمد قوتنا ممن يؤمن بالحوار والتفكير معا من أجل "فلسطين الغد".

 

* سامي باشا: أكاديمي فلسطيني شغل عدة مناصب في الجامعات والمؤسسات الفلسطينية والدولية، ومن بينها رئيس هيئة الاعتماد الوطني الفلسطيني لمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، ويشغل الآن منصب رئيس مؤسسة الجامعة الأمريكية في صقلية. له عدة أبحاث وبعدة لغات ومن بينها التعلم التحرري من منظور فلسطيني، ويركز في أبحاثه على فئة الشباب واللاعنف.