موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٤ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
رافي سايغ يكتب في ذكرى 105 عامًا على الإبادة الأرمنية: نيسان... قبر الأرمن الفارغ!

رافي سايغ :

 

ها قد حلت ساعة الذكرى يا أبناء أمتي

فاتحدوا وتضامنوا وقوموا

ارفعوا رؤوسكم عالياً نحو السماء

لترتفع جباهكم نحو الشمس

لتقرع أجراس كنائسنا

لتصدح حناجر أطفالنا

لتعلوا أصوات ألحاننا

لنعلن بفخرٍ.. قام الأرمن.. حقًا قاموا.

 

في 24 نيسان من كل عام، يحيي الأرمن ذكرى إبادتهم المشؤومة. أكثر من مليون ونصف المليون أرمني قتلوا على يد برابرة التاريخ العثمانيون الأتراك.

 

فكم من ربيع آتى ورحل والجرح هو هو. هل يصدق المرءُ كيف يصبح الربيع فصل العطاء والخضرة أحمرا!. نعم هذا ما حصل مع الأرمن يبست أشجارنا، مروجنا الخضراء لبست اللون الأحمر دمائنا الطاهرة لونت دجلة والفرات. نزفت شقائق النعمان وبكت على مصيرنا كيف غابت الحياة عن عشاق الحياة . إنها دماء الشهداء بذار المسيحية والحياة.

 

إنها الذكرى الخامسة بعد المئة على أبشع جرائم العصر. وقد يسأل البعض ألم يتعب الأرمن بعد مرور كل هذه السنوات؟

 

نحن نتعب عندما تتعب الشمس من البزوغ في فجر كل يوم جديد، وعندما يطفئ القمر أنواره.

 

وعندما تكون نهاية الدنيا وعودة المخلص،  نتعب من أحياء ذكرى شهدائنا الأبرار.

 

في صحراء دير الزور السورية وعلى حبات رمالها الحارقة عاش أجدادنا آخر نهاية جلجلتهم الطويلة، سارت قوافل من الأبرياء نحو الموت المحتم ولم يتعبوا أو ينكروا إيمانهم، هذه الأراضي التي رويت بدمائنا الطاهرة إلى اليوم، وتعمدت من جديد باستشهاد الكاهن الأرمني الكاثوليكي الأب هوفسيب بيدويان. ماذا نفعل أمامها؟ وأمام دموع الأمهات وصراخ الأطفال هل المطلوب منا أن ننسى؟ فالجرح مفتوحٌ ولا يندمل طالما الإنكار مستمر.

 

قد نكون فقدنا أراضينا التاريخية في أرمينيا الغربية ولكننا لم نفقد كرامتنا وعنفواننا، هذا ما تعلمناه من قدسية قضيتنا ومن رسالتنا المسيحية. فنحن على إيمان الأجداد تربينا وسوف نورث هذا الإيمان لأحفادنا وإلى آخر جيل أرمني يأتي.

 

ما زال هول الإبادة إلى اليوم يسيطر علينا نحن الأحرار أبناء ماردين "المدينة البطلة"، مدينة الطوباوي الشهيد إغناطيوس مالويان ورفاقه الكهنة الشهداء، ماردين عز الأرمن ووجه القضية الحقيقي. كيف لا ومن هذه المدينة سطعت شمس حضارة الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية على كل العالم وأغنت الإنسانية بالقداسة والثقافة. ما زالت المآسي وصدى صوت ترانيم قداديسنا يدوي عاليًا في ضمائرنا وضمائر الشعوب الحرة ويصدح: ليعمّ العدل والسلام الأرض.

 

فالإبادة تعني النهاية إلا عند الأرمن هي قيامةٌ متجددة ومسيرة رجاء نعيشها ونشهد لها. هذا هو قدرنا وهذه هي شهادتنا منذ عام 301 تاريخ اعتماد المسيحية كدين للدولة الأرمنية رسميًا، وبذلك أصبحنا أول من حمل صليب القيامة ولم نتعب من حمله مها ثقلت الآلام علينا وكثرت.

 

تعلمنا المسيحية الغفران ومن لا يغفر ليس مسيحي، ولا يوجد أرمني غير مسيحي. ولكن هذا لا يعني ان ننسى حقوقنا المغتصبة عنوةً، لأننا نعرف الحق والحق يحررنا. نحن اليوم نغضب كي لا ننسى، ألم يغضب المسيح بحد ذاته يوم دُنس الهيكل وكان الحق أن يضرب ويطرد تجار الهيكل ويقلب الموائد. وما أكثرهم في يومنا تجار القضايا والهياكل ولكن بكل تأكيد سيكون مصيرهم مثل يهوذا الخائن.

 

الأمة العظيمة لا تقهر، وكم من ظالم توهم انه بالقتل ينهي الحلم ويزور التاريخ. كأحفاد لمن نجوا من الإبادة نفتخر اليوم بأننا ننشد السلام، ولكن ألم يندى جبين أحفاد العثمانية خجلاً من ما اقترفوه أجدادهم بحق شعوب المنطقة؟ الجواب لا طالما النكران حاضر. أمام هذا القتل والتزوير لم نيأس وحملنا أحزاننا وبأيدينا ضمدنا جراحنا وانطلقنا في الأرض كلها ننشد العدل والسلام. من لا شيء صنعنا كل شيء لأن الإيمان الذي في قلوبنا كافي لبناء الإنسان والأوطان من جديد. هذه هي رسالتنا البناء والحياة، رسالة رسل المسيح وشهوده.

 

وحده الاعتراف بالإبادة يبلسم جراحنا ولا يكتمل الاعتراف إلا بالتعويض عن ما خسرناه واستعادة كل شبر محتل. لن تهدأ مطالبنا ما دامت العدالة مغيبة عن العالم، وعندما نطلب العدل نطلبه من أجل ان لا تتكرر جروح جديدة في تاريخ شعوب المنطقة كما نشهد حاليًا.

 

سنبقى نحفظ الوفاء لشعوب غمرتنا بالمحبة، واستضافتنا وكأننا في أوطاننا ونحن أتينا حفاة عراة لا نملك شيء، لقد كانوا بحق ملائكة من السماء. هم أهل سورية المتألمة ولبنان الرسالة وأردن الوئام وعراق التاريخ والقائمة تطول وتطول. الوفاء يقابله وفاء وشكر خاصة بعد اعتراف سورية بالإبادة الأرمنية وهذا ليس بغريب على شعب مضياف وكريم، حفظ الدماء واليوم تزهر دمائنا عدلا.

 

شهدائنا الأبرار ارقدوا بسلام، فأنتم مجدنا في السماء ونحن فخركم على الأرض، تتكرر المأساة كل ربيع ولكن ننتصر للحياة وللقيامة بعد حين.

 

لا تبحثوا عن الأرمن في أحزان نيسان، بل ابحثوا عنهم في صفحات التاريخ المشرفة، لأن قبر الإبادة فارغ من الموت والألم، لقد قام الأرمن من تحت ركام الإبادة وانبعثوا من جديد ليكونوا نور المسيحية في العالم وهم يحملوا شعلة القيامة من الرسل برتلماوس وتداوس، وغريغوريس المنور ويستزيدوا منها في كل نيسان لينيروا أكثر وأكثر.

 

هذا هو عهدنا لشهدائنا، لن ننسى وسنبقى نتذكر ونطالب.

 

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.