موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٤ يوليو / تموز ٢٠٢٠
حكمتك يا ربّ!
من أهمّ ثمار قبس "الحكمة الالهيّة" في الإنسان التعلّم من التجارب واستخلاص العِبَر الروحانيّة، واكتساب الخبرة

من أهمّ ثمار قبس "الحكمة الالهيّة" في الإنسان التعلّم من التجارب واستخلاص العِبَر الروحانيّة، واكتساب الخبرة

أشخين ديمرجيان :

 

الحكمة تعني بشكل عام معرفة ما ينبغي علينا عمله في الوقت الملائم والشكل المناسب. والحكيم هو الذي يتحلّى برجاحة العقل ويضع الأمور في نصابها. بمعنى آخر يحمل راية المنطق والاستنارة. ولا يكون في صفوف أهل الجهل لأنّ الجهل مصدر الظلمة. لكن على الإنسان أن يسعى إلى المعرفة في الأمور التي يجهلها. وفي الوقت ذاته يمكن أن يُخطئ الإنسان بسبب جهله لبعض الأمور ويتعلّم من أخطائه.

 

لكن تعريفنا اليوم يدور حول "الحكمة الإلهيّة" التي يجب أن نطلب من الله أن يُنعمنا بها. كيف لا والحكمة هذه أغلى موهبة مُهداة لنا من الله بعد الإيمان أي بعد مخافة الله. لذلك نقول "رأس الحكمة مخافة الله". الحكمة الإلهيّة لا تُكتَسب بجهد بشريّ بل بوحي من الله (متّى 25:11-27).

 

يقول القدّيس بولس رسول الأمم: "إنّ حكمة هذا العالم تحوّلت إلى حماقة منذ تجاهلت الله الحي" (رو 21:1-22؛ 1كو 21:1)، لذلك رذل الله حكمة الفهماء ولاسيّما الوثنيين (1كور20: 19-20؛ 19:3-20)، "لأنّها حكمة دنيويّة بشريّة شيطانيّة" (يعقوب 15:3).

 

تقهر الحكمة الالهيّة "الجهل" وتنبذه. وتمنحنا بوحي منه تعالى النور الكافي والاستنارة اللازمة لإضاءة زوايا حياتنا المُظلمة، تلك الزوايا والخفايا التي تُعرقل بسوادها مسيرة حياتنا المليئة بالمطبّات والعراقيل... يُنير قبس من نور الحكمة الالهيّة عقل الانسان فيصفى ذهنه ويُطمئن قلبه ويُريح ضميره، فتصدق أقواله وأفعاله. وتُصبح حياة المرء ايجابيّة بنّاءة فيفيض قلبه بالمحبّة لجميع الناس انطلاقًا من "تعاليم المسيح" التي تحضن حتّى الّذين يريدون لنا الشرّ، ممّا يدعم حضارة الحياة والتعاون والازدهار.

 

ومن أهمّ ثمار قبس "الحكمة الالهيّة" في الإنسان التعلّم من التجارب واستخلاص العِبَر الروحانيّة، واكتساب الخبرة. عندئذٍ تتحوّل الحكمة العميقة إلى أقوال وتطبيقات خالدة يتوارثها الأجيال والأمم. وحثّنا السيّد المسيح على طلب الحكمة من عل لأنّها تُبعدنا عن التهوّر والعصبيّة  وتؤهّلنا لأن نتحلّى بالعدل والشجاعة والاعتدال.

 

ولقد شبّه الحكيم الصيني كنفوشيوس "الجهل" بأنّه "ليل العقل". والجهل هو مصدر الشرّ. وأخطر أنواع الجهل أن يجهل الإنسان سبب ارتكابه الخطأ لأنه في هذه الحال سيستمرّ فيه. وقد قيل في الأمثال (الجاهل عدوّ نفسه) ولطالما أنّ الجاهل يرتكب حماقات تؤذيه وتجلب له الشرّ، فإنّه سيكون مستعدّاً للقبائح بحقّ الآخرين. وحينما يُدرك الجاهل أسباب جهله حينئذ يستطيع أن يتخلّص منها ويبدأ مسيرته نحو المعرفة.  ومن ثمّ بعد أن تكتمل المعرفة اذا كان المرء مؤمناً صالحاً يبحث عن الحكمة الالهية ليستلهم منها ويستنير بكلّ اخلاص. وسوف تُنير الحكمة الالهيّة ذهنه وتغيّر حياته الى الأكمل والأفضل (عن يوحنا 10: 10).

 

للأسف الشديد أدّى استغلال بعض الحكومات لحكمتهم البشرية إلى تعرّض الدول والأفراد للاختراق الالكتروني أو السايبراني  في أي وقت وبأي طريقة كانت بحيث لا يحس الطرف الآخر بما يفعله المهاجم.

 

فقد نفر من الناس الحكمة الصالحة لأنّ شغلهم الشاغل هو العمل والتفكير بتكديس الأموال وما يدور حولها من أمور ماديّة أو الاهتمام بالعلوم التكنولوجيّة والاقتصاديّة والسياسيّة فقط لا غير، ناهيكم عن المغريات الدنيوية والمطامع والمشاحنات والصراعات، ولأنّ الشعوب والأمم أصبحت تستقي أفكار وآراء الآخرين السلبية عن طريق التلفاز والحاسوب ووسائل الاعلام من غير أن تتزوّد بالمطالعة والتحليل المنطقي. ولذلك نادرًا ما يبحث المرء عن العلوم الانسانيّة ليتخصّص في احدى فروعها.

 

خاتمة

 

كان السيّد المسيح في حياته على  الأرض معلّمًا للحكمة مُستخدمًا أسلوب معلّمي الحكمة في العهد القديم من عِبَر وأمثال واستشهادات من الكتب المقدّسة (لوقا 4:12-5؛ متى 1:5-7). وكان كلّ مَن حوله يتعجّب من حكمته التي لا نظير لها والمؤيَّدة بالمعجزات (مرقس 2:6).