موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأحد، ٢٦ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٠
حقنا واحد ووسائلنا مختلفة.. التعليم الدامج حق للجميع

الأمير مرعد بن رعد بن زيد :

سعدنا قبل أيام بإطلاق الاستراتيجية العشرية للتعليم الدامج في مدرسة ضاحية الأمير حسن الأساسية. هذه لحظة لطالما تجسدت أمام ناظري وفي قلوبكم جميعاً حلماً ظنَّ بعضُنا أنه صعبُ المنال، وكنتُ على يقينٍ دائم بأنه حقيقة تأخرت ولا بدَ أن تتحقق في نهاية المطاف.

لقد كانت حقوقُ الأشخاص ذوي الإعاقة وقضاياهم على مدار عقود محلاً للنظرةِ الخيريةِ المبنية على الشفقةِ والإحسانِ والمنظورِ الطبي الضيق؛ الذي لا يرى في الإعاقة إلا «حالةً من الضعفِ أو القصور» بمعزل عن العواملِ الخارجية التي تكرسها البيئةُ المادية والسلوكية وما تساهم به من نشأةِ حالة الإعاقة؛ التي يجد فيها الشخص نفسه وقد أُعيق عن ممارسة أبسط حقوقِه التي كفلها الدستور واتفاقيات حقوق الإنسان الأساسية؛ وعلى رأسِها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

لقد كفل الدستور الأردني للمواطنين كافة الحقَ في التعليم دون تمييزٍ أو إقصاء، إذ لم يشترط المشرع الدستوري للتمتعِ بهذا الحق أن يكون الشخص من غير ذوي الإعاقة، بل العكس هو الصحيح، حيث أبى دستورنا إلا وأن يتقدم دساتير العالمِ في شموليتِهِ ومناهضتِهِ للتمييز، حينَ نصَ في مادتِهِ السادسةِ وتحديداً في فقرتِها الخامسة؛ على واجبِ الدولةِ في كفالةِ حقوقِ الأشخاصِ ذوي الإعاقة. وتصديقاً لهذا الاتجاهِ الإيجابي العام، فقد جاء قانونُ حقوقِ الأشخاصِ ذوي الإعاقةِ رقم 20 لسنةِ 2017 ليؤكدَ على هذه المبادئ الدستورية ويعكِسَها?أحكاماً تفصيليةً لم تدع مجالاً للشكِ في أنَّ مؤسساتِ الدولةِ كافةً وعلى رأسِها وزارةُ التربيةِ والتعليمِ والمجلسُ الأعلى لحقوقِ الأشخاصِ ذوي الإعاقةِ؛ عليهما التزامٌ ومسؤوليةٌ قانونيةٌ وأخلاقيةٌ بجعل الحقَ في التعليمِ اللائقِ والدامجِ والمتكافئ؛ ممارسةً وواقعاً يتمتعُ في ظلِّهِ الأطفالُ ذوو الإعاقةِ بحقهم في التحصيلِ الأكاديمي وتقريرِ المصير والمسار العلمي على أساسٍ من المساواةِ مع الآخرين.

إنَّ لغةَ الأرقامِ لدينا تجزمُ بأننا أمامَ مشكلةٍ حقيقيةٍ تتفاقمُ يوماً بعد يوم، وقد تفضي إلى أزمةٍ اجتماعيةٍ وأخلاقيةٍ وحقوقيةٍ إِنْ لم يتم تدارُكُها والتصدي لها بالسبلِ والوسائلِ العلميةِ والعمليةِ الإبداعيةِ غير التقليدية. إنَّ الأرقامَ الصادرةَ عن وزارةِ التربيةِ والتعليمِ ووزارةِ التنميةِ الاجتماعية؛ تشيرُ إلى أنَّ عددَ الأشخاصِ ذوي الإعاقةِ ممن هم في سنِ التعليمِ لا يتجاوزُ سبعةً وعشرين ألفاً من إجمالي الأطفال ذوي الإعاقة في سن التعليم المقدر بـثلاثمئة وخمسة وثلاثين ألف طفل مما يعني أن حوالي 92% من ا?أطفال ذوي الإعاقة في سن التعليم هم خارج المؤسسات التعليمية بشكل كلي؛ ومن هنا يتضحُ حجمَ الفجوةِ بينَ ما هو مفروض وما هو موجود؛ وما ترتبهُ هذه الحقائقُ من مسؤوليةٍ على عاتِقِنا جميعاً لجَسرِ الهوَةِ والنهوضِ بالواقعِ التعليمي للأشخاصِ ذوي الإعاقة.

إنني أرى في اليوم العالمي للتعليم؛ فرصةً حقيقيةً للوقوفِ مع الذات من جانبِ كُلِ مسؤولٍ منا، لينعقِدَ عزمُهُ وتُشحَذَ هِمَّتُهُ على جعلِ هذه المناسبةِ نقطةَ تحولٍ نحوَ مستقبلٍ واعدٍ ووعدٍ أكيد؛ بأنْ يكونَ العقدُ القادمُ زاخراً بمحطاتِ الإنجازِ والتغيير في مجالِ التعليمِ الدامج، إلى أن يأتي يومٌ يصبحُ فيه الواقعُ الحالي ذكرى نُفاخِرُ بأننا جعلناها ماضياً انقضى واستثناءٍ مضى، ليكونَ الحاضرُ والمستقبلُ سلسلةً من المنجزاتِ وقهرِ التحديات.

إننا نتطلعُ في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلى تعاونٍ وتنسيقٍ وتكاملٍ في العمل بينَ كافة الجهات المعنية لإنجاحِ هذه الاستراتيجيةِ التي تعكسُ إرادةً سياسيةً حاسمةً لتحقيقِ المساواةِ وتكافؤ الفرصِ وعدمِ التمييز في أهمِ حقٍ من حقوقِ الإنسانِ ألا وهوَ الحقُ في التعليم ضمن بيئةٍ دامجةٍ ومهيأةٍ ومستوعبةٍ للاختلافِ والتنوعِ البشري.

حفِظَ اللهُ الأردنَ وباركَ في شعبِهِ وقيادتِهِ الهاشميةِ العظيمةِ والحكيمة، ووفَقَنا جميعاً لأداء مهامِنا والاضطلاعِ بمسؤولياتنا بمهنيةٍ وأمانةٍ وإنصاف.

(الرأي)