موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٠ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠
تأملات غبطة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا: الاحتفال بيسوع الملك، ملك الكائنات، السنة أ

البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا :

 

(متى ٢٥: ٣١-٤٦)

 

"يا رب، متى رأيناك؟" (متى ٢٥: ٣٧ و٣٨-٣٩).

 

هذا هو السؤال الّذي يتكرر في المقطع الإنجيلي لهذا اليوم، والّذي يتحدث عن اللحظة الأخيرة للتاريخ، عندما يعود الرب وتتم الدينونة بحق كل فرد. ما سيحدث هو أن الرب يكشف لكل فرد عمله الشخصي، وهو العمل الّذي، وفقاً للمثل الإنجيلي، لا يعرفه أحد، لا مَنْ فعل الخير، ولا من أهمل فعله.

 

وستكون الدهشة الكبرى في الإدراك بأن تلك اللفتة الملموسة، التي تم القيام بها لصالح هذا الشخص عينه، قد تمّ فعلها للمسيح (متى ٢٥: ٤٠)، الذي يتقمص شخص الفقراء المحتاجين للعناية.

 

عن هذه الكلمة، أودّ فقط أن أشير إلى أمر واحد غريب.

 

يقال لنا في هذا المثل إن من يجعل نفسه قريباً من أي إنسان في معاناته، ولا يقوم بذلك لأي هدف آخر سوى هدف الإنسانية اّلتي يشترك فيها كل البشر، فإنه يفعل ذلك، دون علمه، للرب نفسه، الموجود في الأخ المتألم.

 

أي أن المثل يخبرنا، بشكل أساسي، ووفقاً لمنطق المثل ذاته، أن ما ينبغي أن نعرفه هو أن كل لفتة محبة تجاه أي شخص هي لفتة فعليةً للمسيح.

 

يبدو لنا هذا، للوهلة الأولى غريباً. لماذا يجب علينا أن نحبّ القريب من أجل ذاته؟ الجواب: لأن ملكوت السماوات ينمو من خلال هذه المجانية؛ يجب أن نحبّ القريب، دون أن نعرف حتما أننا بهذه الطريقة نحبّ المسيح؛ هذا هو بالضبط ما يقوله لنا النص.

 

ربما تكمن هنا عقدة أساسية في إيماننا. تكمن في هذا التجديد المستمر، في هذا الكشف الذي يتجدد كل مرة: وهو أنه هناك، بالضبط، في ذلك الجزء المؤلم من التاريخ، حين يبدو لنا أن الرب غائب، وأنه قد ترك الميدان، هناك، تحديداً، يُظهر نفسه بملء رحمته.

 

إنّ الإيمان هو عبارة عن اندهاش العيون التي تنفتح للتعرف على الرب في ذلك الشخص، في ذلك الحدث، حيث لم نفكر أبدًا بإمكانية الالتقاء به.

 

ولهذا السبب، فإن الدينونة المذكورة في المثل ليست شيئًا يحدث فقط في نهاية الأزمنة.

 

هذه الدينونة تضع مقياسا للحياة اليومية ولكل مسيحي مدعو إلى الحبّ، ليس للحصول على مكافأة، وليس للوفاء بالتزام ديني، بل لإفاضة الهبة التي سبق وحصل عليها. وبعد ذلك، وفي إطار لفتته الإنسانية العميقة هذه، يقرّ بوجود شخص آخر هو يسوع. هناك بالذات يلتقي به، وهناك "يراه" (راجع متى ٢٥: ٣٧).

 

ومثال ذلك فرنسيس الأسيزي، الذي يحتضن الأبرص ويقبّله، و"يُبدى له الرحمة" دون أي دافع ديني؛ وبعد القيام بذلك، يدرك مدى حضور الرب في ذلك الحدث الذي غيّر حياته.

 

يذكر الإنجيليون الإزائيون، مع بعض الفروق الدقيقة بينهم، كلمات يسوع التي، وفقًا لها لا يأتي ملكوت الله بطريقة تجذب الانتباه. وإذا قال لنا أحدهم "ها هو هنا"، أو "ها هو هناك"، فلا يجوز تصديقه (راجع لوقا ١٧: ٢٢ وتابع).

 

بالنظر إلى ما يقوله مثل اليوم، لا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك.

 

لا يمكن التعرف على ملكوت الله بعيون الجسد، وبمعايير العالم.

 

إذا كان الأمر كذلك، لتمّ البحث عنه في أحداث التاريخ الكبرى، في الشخصيات العظيمة، وفي الأماكن المهمة.

 

إن ملكوت الله موجود، ولكن يجب البحث عنه في الأحياء الفقيرة من الحياة، وفي الأخيرين الذين لا يذكرهم التاريخ، وتحديداً في أولئك الّذين طوّبهم يسوع في بداية كرازته. (متى ٥: ١-١٢).

 

والحياة كلها تكمن في هذا الاكتشاف الجديد.