موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٢ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠
تأملات رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الرابع والعشرون من الزمن العادي، السنة أ
المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية تأملات رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا

المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية تأملات رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

(متى ١٨: ٢١-٣٥)

  

لا زلنا في الفصل الثامن عشر من بشارة متى (متى ١٨: ٢١-٣٥). ونستمع اليوم إلى المقطع الّذي يلي مباشرة ما قرأناه في الأحد الماضي.

 

والموضوع هو نفسه: العلاقة مع الآخرين والإصلاح الأخوي والمغفرة. 

 

كما نجد رابطًا مع قراءة الأحد الماضي في سؤال بطرس الّذي يقترب من يسوع ليسأله عن عدد المرات الّتي يجب عليه أن يغفر فيها. وفي نهاية سؤاله يقترح التلميذ بسخاء،: سبع مرات... (متى ١٨: ٢١). 

 

ردّ يسوع بمثل عن الملكوت (متى ١٨: ٢٣). وهذه أمر هام بالفعل. 

 

يكشف يسوع، في الواقع عن طبيعة حياة ملكوت الآب، أي حياة أولئك الذين يتقبلون هبة الخلاص. وقد جاء يسوع، وهو المرسل من الآب، كي يمنحه لجميع الناس.

 

يُعبّر سؤال بطرس، في حد ذاته، عن أسلوب تفكير لا يليق بأبناء الملكوت: فالرجل الّذي لم يعرف محبة الرب غير المشروطة بعد، لا زال يسأل نفسه "كم مرة؟": كم يجب عليه أن يحب، وكم يجب عليه أن يغفر... 

 

وهذا السؤال عبارة عن سجن، ذلك السجن الذي بموجبه يكون حقي بعدم التعرض للظلم أهم من أخي ومن ضعفه، ومن الرباط الذي يوحدني به.

 

يريد يسوع إخراجنا من هذا السجن، ولهذا السبب يروي مثل السيّد وبعض خدامه المدينين.

 

ينقسم المثل إلى ثلاثة مشاهد.

 

في المشهد الأول يمحو السيد دين أحد الخدم المدينين. وهو مبلغ ضخم لا يمكنه تسديده. يرأف السيد لحاله ويتنازل عن كل الدين على الفور: وبالتالي لم يعد ذاك العبد مديناً له، ولم يعد مرتبطاً بسيده بالمال الّذي يجب سداده، بل بالامتنان الّذي يجب أن يكنّه تجاهه.

 

الدين يبقى، بشكل ما: لكن ليس بالمال، لأن المال قد تمّ التنازل عنه، بل بالامتنان وبالمحبة. كلما كانت الهبة التي أُعطيت لنا أعظم، كلما زادت المحبة التي يجب أن نحتفظ بها لمن أعطانا إياها.

 

في المشهد الثاني، من الواضح أن الخادم لم يتعلم الدرس، ولم يتبن أسلوب سيده في التعامل، ولم يسمح لمشاعر الامتنان أن تغيره وتسمو به. وفي مواجهة أحد رفاقه، الذي كان دائناً له بأقل من ذلك المبلغ بكثير، لم يكن في وسعه أن يتغاضى عن أي شيء. وبينما يقول النص إن السيد رقّ أمام توسلاته، فإنه لا يقول عنه الشيء نفسه.

 

في الواقع، لم يدرك الخادم الأول ما جرى له، ولم يدرك أنه نجا من موت محقق: إذ في إجابته للسيد ظل في حالة من التظاهر، متوهماً بأنه سيكون بإمكانه سداد كل شيء له (متى ١٨: ٢٦)، وأنه كان باستطاعته فعل ذلك بمفرده.

 

وهكذا ننتقل، بالضرورة إلى المشهد الثالث (متى ١٨: ٣١-٣٥)، حيث نعود بشكل ما إلى نقطة البداية: لقد تم الإعفاء من الدين الهائل في البداية، لكن الخادم لم يستوعبْ ذلك، بل ظل أسيراً لأنانيته وعجرفته. لهذا لا يمكن أن يكون للعفو أثر عليه، وينتهي به الأمر في السجن، ليس بسبب قساوة قلب سيده، بل بسبب قساوة قلبه هو.

 

إن ملكوتَ السماوات هو ذلك المكان الذي ندخل فيه عندما نتقبل نعمة غير محدودة، عندما نعي الخلاص غير المستحَق، الذي نجانا فعليًا من الموت.

 

لكن في نهاية المطاف، حتى هذا لا يكفي لخلاصنا.

 

إن ما يخلّصنا هو عندما يغير هذا الوعي علاقاتنا بالآخرين، عندما يجعلنا ننزل من برجنا العاجي الذي نحكم من أعلاه على من هم حولنا، وعندما يجعلنا قادرين على الشعور بألمهم.

 

وعندما لا نعود نشعر بأن الدَّين الذي لنا على الآخرين هو ظلم وجور بحقنا، إنما هو جزءٌ من الدَّين الهائل الذي تم إعفاؤنا منه بلا رجعة، عندها فقط نحصل على الخلاص بالفعل.