موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٥ يوليو / تموز ٢٠١٩
المسلمون والعلمانية

حسني عايش :

سأتبع منهج الأستاذ ماهر أبو طير في مقالته في 3/7/2019 في جريدة الغد بعنوان” إسرائيل في تهديدات الإيرانيين” الذي بدأه بالفقرة التالية:

“علينا أن نتمنى أن تهاجم الولايات المتحدة الأميركية إيران وأن نحثها على ذلك بكل الوسائل، وأن ندعمها في هجومها عسكريا وماليا ومعنويا”. وأضاف: والسبب في هذا بسيط إذ إن كل المسؤولين الإيرانيين يردون دوما على التهديدات الأميركية لبلادهم بتهديدات لإسرائيل، وبكون طهران قادرة على شطب إسرائيل من الخريطة. وآخر هذه التصريحات ما قاله رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني قبل يومين: إنه إذا هوجمت إيران من الولايات المتحدة، فلن يبقى من عمر إسرائيل سوى نصف ساعة فقط”.

ولكن الأستاذ أبو طير لا يتمنى بالفعل وقوع حرب بين الطرفين، ولكنه لاحق العيار إلى باب الدار.

وعلى منواله: تخيلوا تمكن كنيسة العصور الوسطى أو اليمين المسيحوي الغربي المتطرف من الوصول إلى الحكم في أوروبا وأميركا، وانقلابه على الأنظمة العلمانية فيها باعتبارها كفرا. ولتعصبه المسيحوي الشديد قام بطرد المسلمين اللاجئين والمهاجرين منهما، ومحا جميع آثارهم من مساجد ومراكز إسلامية أنشؤوها في عواصمهما ومدنهما استغلالا للعلمانية “الكافرة فيهما، فعندئذ تتحقق أهداف الإسلاميين في إلغاء هذا العدو المشترك بين الإسلاميين والمسيحيويين الدواعش. أوليس هذا ما يتمناه الإسلاميون في شجبهم الدائم للعلمانية؟

أوليس هذا ما يعدون أنفسهم للقيام به إذا تسلموا الحكم؟ إنهم ينشئون تجمعات ونوادي، ويقيمون ندوات وورشا، ويلقون المحاضرات، ويؤلفون الكتب، وينشرون المقالات، ويطنبون في خطب الجمعة في تكفير العلمانية والعلمانيين والديمقراطية والديمقراطيين.

ينسى الإسلاميون أو يتناسون -عمداً للأسف – أن العلمانية هي حامي المسلمين الأكبر في الغرب، والتي –لولاها– ما حصلوا على موطئ قدم فيه، ولا بنوا المساجد وانشؤوا المراكز الإسلامية، وما حصلوا على فرص الإقامة والعمل والتعليم والمواطنة والوصول إلى المراكز العليا في سدة الحكم هناك، التي لم يحصلوا على مثلها في تاريخهم وفي بلدانهم حتى وإن كانوا هم يحكمون.

إنهم كما يبدو – يستفيدون ” سراً ” من العلمانية هناك ويستغلونها للدعوة بحرية وأمن وسلام مع الفوز بالفرص التي ذكرت، ولكنهم في قرارة أنفسهم يخشون أن تصل إلى بلاد المسلمين: العربية وغير العربية، فينافسهم غيرهم من الحركات والأحزاب أو الفئات في الاستفادة منها، فلا يستطيعون الوصول إلى السلطة، أو اقتناصها. ولذلك يشجبونها ليل نهار ويعتبرونها رذيلة ليُغلق الباب في وجهها.

هم يستفيدون من فضائلها في الغرب لأنه لا يوجد غيرهم من بلدانهم هناك ينافسهم في التبشير. ولأنه يصعب إن لم يستحل تحويل شعوب الغرب إلى عرب أو أتراك، فإنهم يعتقدون أنه بالتبشير يمكن تحويلهم إلى مسلمين دون أن يتخلوا عن جنسياتهم/ قومياتهم وبعكس ما هو قائم في بلدانهم حيث لا يحتاجون إلى مثل هذا التحويل لأن معظم الناس فيها مسلمون.

أعجب أشد العجب ومن الصيام في رجب من قدرة الإسلاميين على العيش مع هذا التناقض الصارخ، فمن جهة يكفرون العلمانية والعلمانيين في بلدانهم. ومن أخرى يتمتعون بخيراتها في بلاد اللجوء والهجرة، دون أن يندمجوا فيها كغيرهم من بني جلدتهم هناك. لو كانوا موضوعيين حقاً لتقدموا الصفوف في الاندماج.. وفي الدعوة إلى إعمال العلمانية في بلدانهم.

إذا عادت كنيسة العصور الوسطى إلى السيطرة على الغرب، أو إذا تمكن اليمين المسيحوي المتطرف من الوصول إلى السلطة فيه فإنه يمكن أن يقال للإسلاميين بعد ذلك: دجاجة حفرت على رأسها عفرت لأن مأساة الأندلس التي نتجت عن صراع دول الطوائف وانتهت بطرد المسلمين والعرب منها تتكرر ثانية لكن في أكثر من أندلس.

لعل الأثر الإيجابي على سمعة المسلمين في الغرب الذي أحدثه اللاعب المصري المسلم في فريق ليفربول محمد صلاح نتيجة أدائه المميز والمثير للإعجاب أكبر بكثير من أي أثر للدعاة والمبشرين الإسلاميين هناك على هذه السمعة، كما دلت على ذلك نتائج أكثر من استبانة.

(الغد الأردنية)