موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٩ مايو / أيار ٢٠٢٠
الكنائس الكاثوليكية في مصر، معالم ومعاني: كنيسة سان جوزيف وسط القاهرة
كنيسة سان جوزيف، وسط القاهرة

كنيسة سان جوزيف، وسط القاهرة

دراسة وتحقيق ناجح سمعـان :

 

في قلب العاصمة المصرية القاهرة تقف كنيسة سان جوزيف للآباء الفرنسيسكان في شموخ، إذ تحمل صفحات أيامها تاريخ عريق يؤهلها لتكون من أهم الكنائس الكاثوليكية الشاهدة على العصر. كما حباها الموقع الفريد مكان الصدارة في الاحتفالات الدينية والرسمية على مستوى الكنيسة الكاثوليكية بمصر. حتى أنها أصبحت مقرًا لرئاسة الرهبنة الفرنسيسكانية في مصر.

 

تدعوك مبانيها الفخمة وروعة مقتنياتها إلى مزيد من البحث في قراءة المكان، والسعي إلى توثيق بعض من ملامح الحياة الزاخرة فيه، حيث تعكس الكنيسة بموقعها المركزي معنى روعه الاشعاع الروحي والحضاري، كما تبرز فيها قيمة التنوع الطقسي والثقافي في حياة المصريين الكاثوليك.

 

وفي محاولة لقراءة المعالم المعمارية والروحية للكنيسة نطالع ما دونه جبرتي الفرنسيسكان المصريين الأب عمانوئيل ماكن، في كتابه الخالد "أضواء على تاريخ الرهبنة الفرنسيسكانية بمصر".

 

التعريف بالكنيسة

 

كنيسة سان جوزيف للآباء الفرنسيسكان وسط العاصمة القاهرة، ضمن ثاني أقدم الكنائس الفرنسيسكانية بمصر. ولموقعها الفريد في وسط البلد دور كبير في مركزية الرسالة التي تلعبها على خريطة الكنيسة الكاثوليكية بمصر. كما أن لأنشطتها المجتمعية آثار بعيدة في تعزيز السلام الاجتماعي وازدهار الثقافة والفنون بين جموع المصريين كافة.

 

تمثال مار فرنسيس

 

ما إن تطأ قدميك أرض الكنيسة حتى تتقابل في فنائها الفسيح وجهًا لوجه مع مار فرنسيس الاسيزي، مؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية. يمد يده الأولى إليك مرحبًا بك بين أرجاء المكان وفي يده الأخرى الكتاب المقدس، مصدره الوحيد الذي طاف به بلاد الشرق يزرع الحب، مناديًا بالخير والسلام.

 

لمحة تاريخية

 

لما كان للتاريخ سحره، وجب أن نذكر في المفتتح بأن كنيسة سان جوزيف تتمتع بعمر طويل يعود إلى عام 1871، وذلك عندما أراد الرهبان الفرنسيسكان التابعون للأراضي المقدسة بناء كنيسة في قلب المحروسة. حيث أهدى الخديوي إسماعيل للرهبان الأرض بحي الاسماعيلية "شارع بنك مصر حاليًا". وقد شيدت الكنيسة باسم القديس يوسف عام 1875، وقام بتصميمها المهندس فرينا، بإشراف الأب اورتنسيو دافيكي. وفي عام 1882، بدأت الكنيسة في ممارسة نشاطها الروحي. ولما ضاقت الكنيسة بالمؤمنين قام الرهبان ببنائها على مساحة أكبر عام 1904، حيث قام بتصميم مبناها الحالي الفخم المهندس الإيطالي اريستيدى ليونورى على طراز عصر النهضة، مدعمة بالفن الكلاسيكي. فجاءت تحفة معمارية وفنية.

 

أبواب دخول للكنيسة

 

قبل أن نقرع الأبواب للدخول إلى صحن الكنيسة، يقع بصرنا على ثلاث صور من الموزاييك تعلو الأبواب الثلاث الرئيسية للكنيسة، وترتيبها كالتالي: الوسطى تمثل هروب العائلة المقدسة إلى مصر، واليمنى جروحات القديس فرنسيس، والصورة اليسرى لانتقال العذراء إلى السماء، فيما يقف شفيع البيعة مار يوسف البتول، خطيب مريم العذراء، أعلى الأبواب حاملاً الطفل يسوع على ذراعيه المباركين.

 

مبنى الكنيسة

 

بشوق ندخل إلى مبنى الكنيسة لنتأمل لوحة فنية محاطة بهالة من القداسة تدعوك للخشوع، ولعلّ أول ما يلفت الانتباه مساحتها الشاسعة إذ يبلغ طولها 60 متر وعرضها 30 متر، فيما يرتفع برج الكنيسة إلى 52 متر. والكنيسة مكونة من ثلاثة أروقة وبها عشرة مذابح جانبية. وقد أهدت الكونتيسة كارولين توميتش للكنيسة خمسة أجراس وسبع نوافذ مشغولة بالزجاج المعشق تمثل حياة القديس يوسف البتول، كذلك تبرع السيد بليزواس بثمن الأرغن الكبير، أهم معالم الكنيسة.

 

المذبح الرئيسي

 

هو مذبح من الرخام الإيطالي الأبيض الفاخر يرجع تاريخه إلى عام 1920 حيث تقام عليه القداديس الإلهية. وفي خلفية المذبح يظهر حائط رخامي من أربعة طوابق، يقع بيت القربان في الطابق الثاني منه، ويعلو الحائط الرخامي صليب كبير محاط بستة شموع بيضاء على الجانبين. ووراء المذبح الرئيس الحنية، وهي قبة نصف دائرية تحتضن داخلها سبعة نوافذ مشغولة بالزجاج المعشق تروي حياة القديس يوسف البتول، خطيب العذراء وشفيع الكنيسة. وفي خلف الحائط الرخامي توجد كابيلا مريم العذراء، وعلى يسار المذبح الرئيس تقع كابيلا قلب يسوع الأقدس وبها نافذة من الزجاج المعشق بالرصاص للقديسة جان دارك. وعن يمين المذبح الرئيس تقع السكرستيا، وهي حجرة الملابس الطقسية الكهنوتية إلى جانب كتب القراءات. وأمام المذبح الرئيس توجد منجلية من الرخام الإيطالي للقراءات والوعظ عند التعليم.

 

المذابح الجانبية

 

على جانبي الكنيسة عشرة مذابح صغيرة يحمل كل واحد منها اسم قديس، إلى جانب مذبح عذراء فاتيما الذي تم تكريسه عام 1951. أعلى المذبح الرئيسي للكنيسة توجد القبة الثمانية الشكل، تتوسطها صورة للروح القدس على هيئة حمامة، فيما تزين أضلاعها الثماني بنقوش.

 

الأعمدة الرخامية

 

يُحمل سقف الكنيسة على 24 عمود رخامي دائرى الشكل. يجمع كل اثنين منهما قوسًا تعلّق في منتصفه أيقونة لأحد تلاميذ السيد المسيح الاثنى عشر، فيما رأس العمود منقوشة باللون الزيتي ومرسوم عليها في الجانبين الأولين الصليب المقدس، وعلى الجانبين الآخرين شعار الرهبنة الفرنسيسكانية، حيث يد الرب يسوع تحتضن يد مار فرنسيس الأسيزي. وبين كل عمودين وسط صحن الكنيسة تعلق نجفة نحاسية سداسية الشكل يتدلى منها 12 قنديل. يثبت على الأعمدة الرخامية صور مراحل درب الصليب الأربعة عشر التي تصلى رياضتها عادة أيام الجمعة خلال زمن الصوم الأربعيني.

 

تماثيل القديسين

 

يزين صحن الكنيسة بثلاثة تماثيل مختلفة الأحجام: الأول للقديس البادري بيو، والثاني ليسوع الطفل، والثالث للقديسة مريم العذراء. فيما تعلق صورة زيتية للقديس شارل دي فوكو، مؤسس رهبنة إخوة يسوع الصغار. وعند دخول المصلين إلى الكنيسة من جهة اليسار يوجد جرن الماء المبارك مصنوع من الرخام الأبيض دائري الشكل، له حامل ذي قاعدة رخامية.

 

كرسي الاعتراف

 

أقصى يمين المذبح الرئيسى يوجد كرسي الاعتراف، حيث يتقدّم إليه المصلون لنوال سر التوبة، فيما تعلق على الحوائط حول كرسي الاعتراف صلاة قبل الاعتراف وفعل الندامة وصورة فوتوغرافية للآب الرحيم.

 

أنشطة الكنيسة المتنوعة

 

لقد ساعد المبنى الفخيم لكنيسة سان جوزيف على اتساع الخدمة الرعوية، حيث تقام خمس قداسات على مدار اليوم الواحد بأربع لغات هي: الفرنسية والإيطالية والعربية والإنجليزية، كذلك تزخر الكنيسة بالأنشطة الروحية منها: مدارس الأحد والكشافة وخدمة الشباب ونادي العائلات وأخوة الرب، وقاعة مناسبات إلى جانب اعمال السكرتارية في حفظ سجلات الكنيسة. من أهم علامات القوة الروحية في كنيسة سان جوزيف يأتي كورال الكنيسة الذي يمتاز بالأداء الجميل في الترانيم الروحية والألحان الكنسية حيث ينظم الكورال احتفالين سنويًا بمناسبة عيدي الميلاد والقيامة.

 

كذلك على الصعيد الفني تشهد قاعة النيل بالكنيسة إقامة مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما، والذي يعقد كل عام بهدف الارتقاء بفن التمثيل في مصر، كما يقوم المركز بعمل تحليل قيمي للأعمال الفنية.  كما تحتل الكنيسة مكان الصدارة في الاحتفالات الدينية الرسمية على مستوى الكنيسة الكاثوليكية بمصر، كذلك يفضل الكثير من الشباب إقامة مراسم سر الزواج بها لجمال بنائها واتساع مساحتها.

 

دعاء الأخوة الأصاغر

 

تشعر في ختام الرحلة عند خروجك من عتبة كنيسة سان جوزيف، وسط العاصمة القاهرة، وكأنك قد عاينت بالروح مسيرة عطاء رهبنة الآباء الفرنسيسكان في الشرق عامة ومصر خاصة، مصحوبة بترتيلة مار فرنسيس وتلاميذه على مدى العصور عند لقائهم وجه كل إنسان مرددين تحية الأخوة الأصاغر "خير وسلام".