موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٣ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠
التواصل في زمن الوباء: قوّة وسائل التواصل الاجتماعي
ما هي أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في زمن وباء فيروس الكورونا؟ هذا السؤال يطرحه العدد الحالي من النشرة الأسبوعية حول الأشخاص الضعفاء المتنقلين في عصر فيروس الكورونا، والتي تصدر عن قسم المهاجرين واللاجئين في الدائرة الفاتيكانيّة لخدمة التنمية البشرية المتكاملة.

فاتيكان نيوز :

 

تسلط الإجابات الضوء، أولاً وقبل كل شيء، على الدور الأساسي الذي تلعبه شبكات التواصل الاجتماعي: من خلالها، في الواقع، لا يتابع المؤمنون الاحتفالات الليتورجية وحسب، وإنما يمكنهم أيضًا كسر الحواجز التي يفرضها الإغلاق، ويختبرون طريقة جديدة ليكونوا جماعة. باختصار، لقد سمحت الجماعة الافتراضية (community) بإعادة خلق الجماعة.

 

علاوة على ذلك، أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي ضرورية لتقديم المساعدة والدعم للمهاجرين واللاجئين، من بين الأشخاص الأكثر تضرراً بسبب عواقب الوباء. يكفي أن نذكر تطبيق Refaid (تطبيق مساعدة اللاجئين)، الذي تم تطويره في العديد من البلدان الأوروبية والذي تستخدمه أكثر من أربعمائة منظمة غير حكومية في جميع أنحاء العالم لمحاولة تحسين ظروف السكان المهاجرين. مثال ملموس لأهمية هذا التطبيق يأتي من طنجة، في المغرب: هنا، أطلقت لجنة الأبرشية للهجرة، بالتعاون مع منظمات أخرى، بما في ذلك هيئة كاريتاس المحلية، مشروع #Refaidfront، لجمع التبرعات من أجل تخويل استخدام التطبيق في جميع أنحاء المغرب. وبهذه الطريقة، ستتمكّن المنظمات الإنسانية في المنطقة من توفير المعلومات وتقديم التحديثات في الوقت الفعلي وتسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية للمهاجرين واللاجئين والنازحين وطالبي اللجوء.

 

أما أفغانستان فتقدم مشهدًا مختلفًا، هناك تستعمل الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين شبكة وسائل التواصل الاجتماعي لكي تبقى إلى جانب الأطفال والنازحين الشباب من خلال ضمانها لهم تنشئة مدرسية؛ فتتم مشاركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع صوتية وفيديو ووثائق مفيدة للدروس عبر الانترنت. يختلف الوضع أيضًا في مالاوي حيث تستعمل الكنيسة وسائل التواصل الاجتماعي لكي تحافظ على رجاء المؤمنين حيًّا. وبالتالي يدعو المنسق الوطني لوسائل التواصل الاجتماعي الأب غودينو فوسكو المسيحيين لكي يتأمّلوا بجديّة حول الاستعمال الصحيح للانترنت ولوسائل التواصل الاجتماعي كترياق ضدّ الأخبار المزيفة ولاسيما في إطار وباء فيروس الكورونا، وأضاف على وسائل التواصل الاجتماعي أن تسمح لنا بأن ننشر الإنجيل ونُلهم الرجاء بين المؤمنين بأننا سنتخطى الوباء قريبًا.

 

وفي هذا السياق أيضًا يتحدّث الأب "Leszek Gęsiak" المتحدث الرسمي باسم مجلس أساقفة بولندا في مداخلة له ويسلّط الضوء على أنّ وسائل التواصل الاجتماعي يمثل فرصة مزدوجة للكنيسة: اذ تسمح لها من جهة بأن تبلغ الأشخاص البعيدين عن جماعة المؤمنين، تسمح لها أيضًا من جهة أخرى بأن تساهم في تعزيز القيم المسيحية على الانترنت وتبشير القارة الرقميّة.

 

بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي هناك وسيلة إعلاميّة قد أظهرت قوّتها أيضًا في زمن الوباء وهي الإذاعة. فحيث لا وجود للكهرباء وحيث يقتصر الوصول إلى الإنترنت على المناطق الحضرية، كما هو الحال غالبًا في إفريقيا تلعب الإذاعة دورًا مهمًّا في نشر الإيمان، إنما أيضًا في نشر التعليم والتنمية والمعلومات في المناطق الريفية. فعلى سبيل المثال جمع مجلس أساقفة بوركينا فاسو جميع الإذاعات الأبرشيّة لكي تعمل بتناغم معًا في الكفاح ضدّ وباء فيروس الكورونا من خلال نشر معلومات حول المعايير الوقائية ضدّ انتشار وباء فيروس الكورونا، وإنما أيضًا من خلال مرافقة المستمعين بواسطة الاحتفالات الليتورجية ووقفات الصلاة.

 

من أفريقيا أيضًا يصلنا مثالان الأول يدعى "Tele and Radio Counselling" وهو برنامج إذاعي أسبوعي جديد أطلقه مجلس أساقفة زامبيا لكي يقدّم الاستشارات النفسيّة للأشخاص الذين أخذوا العدوى والذين يمتحنهم الوباء. من خلال إذاعة "Radio Maria Yatsani Voice" التي تغطي كامل أراضي العاصمة لوساكا والمناطق المحيطة بها، وتقدم علاجات جماعية أو استشارات هاتفية فردية لجميع الأشخاص الذين يواجهون صعوبات. ويشرح الأب يوناس فيري، منسق القسم البيبلي والليتورجي في الكنيسة المحلية: "نريد أن نشجع تبادل الخبرات، وأن نصغي إلى بعضنا البعض، ونمنح التعزية ونعطي كلمة رجاء".

 

المثال الثاني يأتي من مالاوي حيث أطلقت الأعمال البابوية الرسوليّة عبر الإذاعة والتلفزيون سلسلة من برامج التعليم المسيحي مخصّصة للأطفال والشباب من عمر خمس سنوات إلى خمس وثلاثين سنة. يتم بث البرامج من قبل تلفزيون لونثا صباح كل يوم سبت، باللغتين المحلية والإنجليزية، كما يتم بثها في اليوم عينه على إذاعة ألينايف التابعة لأبرشية ليلونغوي وعلى راديو ماريا ملاوي. وفي ظهيرة يوم الأحد، يتمّ بث برنامج أسئلة بعنوان "تعلّم إيمانك واكسب"، يستند إلى دروس التعليم المسيحي التي تمّ بثها في اليوم السابق. تتكون جوائز الفائزين من أدوات دينية مثل الكتاب المقدس ومسبحة الورديّة.

 

وأخيرا، إيطاليا. هنا، في شهر مارس، وهو الشهر الذي شهد تفشّيًا كبيرًا للوباء، أنشأت الكنيسة المحلية أي مجلس الاساقفة الموقع الإلكتروني https://chiciseparera.chiesacattolica.it، من أجل تقديم بوادر رجاء وبناء المستقبل. إنها بيئة رقمية تجمع وتعيد إطلاق الممارسات الجيدة التي تنفذها الأبرشيات، وتقدم مساهمات للتفكير والدراسة، وتشارك الأخبار والمواد الرعوية، لتشكّل هكذا نقطة مرجعية حقيقية للمؤمنين. وأكّد مجلس أساقفة إيطاليا في هذا السياق أن دقّة الوضع، والضياع، والخوف لا يمكنهم أن يكسروا خيط الإيمان ولكنّهم أوثقوه أكثر بالرجاء والمحبّة. في هذا السياق، ظهرت سمة أساسية لوسائل التواصل، ألا وهي كونها وجودية في المقام الأول، كما أكّد فينشنزو كورادو، مدير مكتب الاتصالات الاجتماعية في مجلس أساقفة إيطاليا، وقال لقد اختبرنا، خلال الأيام المظلمة للإغلاق ولا زلنا نعيشه الآن أن وسائل التواصل ليست مجرد وسيلة، ولكنها تنتمي إلى حياتنا. أعتقد أن هذه هي الفكرة الأساسيّة التي تلقيناها خلال هذه المرحلة الصعبة. التواصل ليس شيئًا مختلفًا عنا، كما أن ليس شيئًا خارجيًّا بالنسبة لنا، لكنه وجودي في المقام الأول، وهذا التفكير قد قمت به مع الأخذ بعين الاعتبار لشبكات التواصل الاجتماعي التي عزّزت، خلال هذه الفترة، نوعًا معينًا من الاتصال والتواصل. إن شبكات التواصل الاجتماعي في الواقع قد عززت مشاركة أكبر للشباب، لا سيما عندما وجدنا أنفسنا جميعًا منغلقين في منازلنا واكتشفنا أننا جزء من جماعة تذهب أبعد من الحواجز المقيِّدة. وبهذا المعنى، فإن الجماعات الافتراضية (communities) قد عزّزت نوعًا من القرب لم يكن ممكنًا في تلك المرحلة.

 

تابع فينشنزو كورادو يقول لقد كانت وسائل الإعلام مفيدة أيضًا في تغذية الإيمان وتقويته، فعندما عشنا نوعًا من الظلام الدامس بسبب الإغلاق، مرّت شعلة الإيمان أيضًا من خلال هذه الأدوات. أعتقد أنها عزّزت وحفّزت الأسئلة التي لها علاقة بوجودنا. لقد سمحت لنا بأن نصبح أكثر وعياً لواقع أننا جزء من كل، فنحن جزء من جماعة وهذه الجماعة هي على السفينة عينها. سفينة أبحرت أيضا في بحر شبكات التواصل الاجتماعي وسط المعاناة والرجاء. وهناك حيث لمح الشك والسؤال والمعاناة ذلك البريق الذي يأتي من نور الإيمان، أعتقد أنه شكّل نوعًا من النمو في الإيمان.