موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الجمعة، ٣ يونيو / حزيران ٢٠٢٢
التدخين وعواقبه

الأب منويل بدر :

 

ممّا لا شك فيه أن حياة المدخن هي إجمالا أقصر من حياة غير المدخن. إذ حياة المدخن هي معرّضة أكثر للإصابة بأمراض عديدة وعلى رأسها السرطان على أنواعه والنوبات القلبية. لكلّ مُدخّن قصّته، كيف ومتى بدأ بالتدخين، على رأسها الوهم أنّ المُدخن شخصية أعلى وأشجع من غير المدخن، لكن بالتالي التعلّق بالدّخان هو مرض عُضال يحتاج لقوة إرادة للتخلًص منه. ويُقال إن جاذبيّة التوجه إلى الدخان تُسيطر على الإنسان بوقت قصير، بل يُقال إنها بعد السيجارة الخامسة تكون قد تغلغلت في المخ وتستعبده. يُقال: المُدخن الجديد يبدأ بطرق أبواب جيرانه والسيجارة بيده، ليسألهم هل عندكم ولعة لسيجارتي؟ أما بعد مدّة فيطرق على بابهم وبيده الولعة ليسأل: هل عندكم سيجارة لولعتي؟

 

حتى وإن كان المدخّن فتيّا وبقوّته البدنية الوافية، إلا أن التدخين يقود عاجلا أم آجلا إلى خللٍ في الصّحة والتقليل من أداء بعض النشاطات، إذ يصبح التنفس أقصر عنده من عند غير المدخن. الرياضيّون مثلا يتنفّسون أقل أكسوجينا، يشعرون بتعب سريع ونبضات قلب أعلى من معدلها عند غير المدخّن. هذا وتدخل عوارض صحيّة غير متوقّعة. أضف إلى أن لون الأسنان يبدأ بالاصفرار بسبب دخول النيكوتين إلى الفم. كما وإن رائحة فم المدخّن وملابسه وريحة شعرة تصبح غير محتملة لغير المدخّن. وهنا تحذير للفتيات اللواتي يتعاطين حبوب منع الحمل، يجب عليهن تحاشي التدخين، لأنه بسبب عوارض مضار التدخين والحبوب يتولد فيهن خطر في الدورة الدموية وضعف نبضات القلب التي ينتج عنها الإصابة بالجلطة. إن المبتدئين بالتدخين لا يفكرون بعواقب الدخان البعيدة هذه. بل يفتكرون أنه باستطاعتهم ترك التدخين في أي لحظة يطيب لهم. وبالرغم من ذلك فلا بد من وضع مضار الدخان أمام عيونهم: وهذا المقصود من هذا المقال

 

مضارّ الدخان الأولى أنّه سبب سرطان الحلق بالدرجة الأولى. فالمدخّن يبدأ بالشعور بضيق التنفس والتهاب الرئة الخ...بل إن الدخان هو سبب سرطان الرئة، بالإضافة إلى سرطان الصدر والكلى والفم، كما وتدخل الجسم أمراض أخرى يجلبها التدخين غير معروف مصدرها. فمن يدخن يقع ضحية أمراض القلب. أمّا للحبالى فيجلب التدخين خطر الإضرار بالجنين أو أيضا بالإجهاض المبكر، بل ويقلل من إمكانية إنجاب البنين سواء للرجال أو للنساء على حدٍّ سواء. ثمّ يقود إلى تجعيد البشرة وتغيير لونها بشكل ظاهر.

 

أمّا سبب التّعلّق الكابوسي بالتدخين فهو ناجم عن دخول سم النيكوتين في المخ. فسمّ النيكوتين هو أقوى دافع على الإدمان على التدخين. النيكوتين هو مادة كيماوية سامّة في ورق نبتة الدخان، يتغلغل بثوان في المخ ويخلق فيه الإحساس السريع والشعور بضرورة تناول هذه المادة الكيماوية باستمرار وبلا توقف، لذا فالمّدخن لا يعد يستغني عن حمل باكيت الدخان في جيبه ووضعه قرب رأسه حين يخلد إلى النوم.. هذا الشعور موجود أصلا في الإنسان لكن النيكوتين يخلق فيه الاستعباد والإدمان.

 

ما تأثير التدخين على غير المدخّن؟ إن استنشاق الهواء المجاور للمدخن يحتوي على مادة النيكوتين السامة، التي تأتي من المدخن وتنتشر في الجو حواليه. هذا وبما أن المدخّن لا يستنشق إلا ربع الدخان الصادر من سيجارته ثم ينثره في الجو حوله من جديد، فيصل هذا الهواء إلى ملابس وشعر وأنف الغير مدخّن، فتبدأ عيونه بالتدميع. واستنشاق هواء الدخان يصل إلى رئة الغير مدخن، ويخلق فيه خطر الإصابة بالسرطان كالمُدخن. هذا وإن أكثر اللامدخنين المُعرّضين لأخطار الدخان فهم الأطفال، لأنّ حاسة اللامناعة عندهم لم تكن بعد قد اكتملت، فهم معرضون لداء الربو أي ضيق التنفس والتهاب الأذن الوسطى والرئة أكثر من غيرهنم..

 

أما عن سبب إقبال الشبيبة للتدخين، فيقول المربون، الشبيبة سريعة العدوى، فكثيرٌ من الشباب يرون أن العديد من أبناء جيلهم حولهم يدخنون، فيفتكرون أن ذلك شيئا طبيعيا، فيقعون هم أيضا في هذه الدّوارة الخطرة، دون أن يكون لديهم أيُّ فكرة عن مضار التدخين. هذا ولا فرق بين الشباب أو الفتيات، فالعدد مبدئيا متساوي. أما المقولة إن خطر السجاير الخفيفة على الصّحة هو ضئيل فهذا غير صحيح. هذا وماذا عن الأرجيلة أو الدخان الممضوغ أو المنشوق؟

 

الكثيرون يفتكرون أن الماء في الأرجيلة يمتص السمّ الملوّث للدخان فلا يعد التدخين مُخطراً على الصّحة لكن هذا غير صحي، إذ الماء بحد ذاته لا يمتص أي سمّ، بل هذا يبقى هو هو في الأرجيلة أو في السيجارة. فمن يُدخن الأرجيلة لمدة ساعة يبعث في الهواء سموم علبتي سجاير

 

كذلك الحال في استعمال مشابهات منتوج الدخان، كالممضوغ أو المنشوق، فالذي يستعملها يبقى معرضا للإصابة بالسرطان أو غشاء الأنف المُخاطي أو أيضا بأضرار اللحم حول الأسنان. فكثرة النيكوتين التي تدخل الجسم عن طريق الفم تختلط بالدم الذي ينقلها إلى المخ فيتعرّض الجسم بأقسامه للإصابة بالسرطان

 

فيا ريت لو كان المدخّن قبل أن يقع فريسة في فخ التدخين، مُطّلعا على فوائد، إن كان هناك من فوائد، ومضار الدّخان. فمضار الدّخان عديدة وهناك أسباب واضحة تتكلّم عن ضرورة التوقّف عنه قبل فوات الأوان.

 

فالمعروف أنّ من يتشجّع ويترك الدخان قد يُخفف الإصابة من أمراض عديدة، وعلى رأسها سرطان الحلق والفشائش، إلى جانب تحاشي النوبة القلبية وضغط الدّم العالي، كما وهو سبب التهاب الشعب الحلقية المُزمنة (أي القحة الدائمة). إن أمراض التدخين هي خُمُس الإصابات بالسرطان في العالم.

 

وكما هو معروف، إنّ التدخين هو أكبر مسبّب لأمراض القلب والأوعية الدموية. فمن يعتزم ترك التدخين، فهو يعتزم أيضا أن يتحاشى الأمراض، التي يسببها التدخين. تقول الإحصائيات إنه ما يعادل النصف مليون من البشر يموتون في السنة من عواقب التدخين، أكثرها يوعزه العلم للنوبات أو السكتات القلبية. هذا فمن يُدخّن أو دخّن لمدة طويلة، فهو يبقى مُعرّضا أكثر من غيره للأمراض العصبية والتهاب المفاصل.

 

تُرى ماذا يجلب التوقف عن الدّخان فعلياً لصاحبه؟ يقول الطب إنّه ابتداءً من اليوم الثالث لترك الدخان، يشعر الإنسان بأن القصبة الهوائية قد ارتاحت. وبعد أسبوع يبدأ الضغط المرتفع وخطر النوبة القلبية بالهبوط والتّحسن، وبعد ما يقارب الستة إلى تسعة شهور، تتلاشى أسباب القحة تماما. وتسكير الجيوب الأنفية تتنظّف ويخف ضيق التنفس، كما ويتنظّف الكبد من سموم الدخان، كما ويجف المُخاط في الأنف والحلق وخطر فيخفّ خطر الالتهاب ويقلّ خطر العدوى.

 

وإن أمسك المُدخن نفسه سنتين عن التدخين، فيصبح خطر النوبة القلبية عنده كعند إنسان اعتيادي لم يُدخن. وإن أمسك نفسه خمس سنوات عن الدخان، فينزل خطر الإصابة بالسرطان الحلقي أو الفم أو الحلقوم او سرطان البروستاتا او المثانة إلى النصف. وإن أمسك نفسه من سنتين إلى خمسة عن التدخين فيصير خطر الإصابة بنوبة قلبية نادرا او اعتياديا.

 

ماذا نقول عن خطر الإصابة بسرطان الرّئة؟ من ترك التدخين لعشر سنوات متتالية، ينقص عنده خطر الإصابة بسرطان الرئة إلى 50%، أمّا من واظب على التدخين أربعين سنة فيبقى مُعرّضا طيلة حياته للإصابة بمرض سرطان الرئة. فالسّؤال، إن كان التدخين له تأثير على طول الحياة أو قِصَرها؟ حسب المقارنات والعلم فإن حياة المُدخن تكون تقريبا أقصر بعشرة سنين من غير المُدخن، خاصة وإن كان يتناول الشحوم ويتعاطى الكحول. هذا وتقول الإحصائيات أن من يترك الدخان يجب أن ينتظر أنّ وزنه سيزيد إلى 4 كغم في السنة الأولى والسبب هو انخفاض الحرق للسُعْر الغذائي في المعدة وزيادة السعرات الحرارية الآتية من الغذاء. إن النيكوتين يحرق السُّعر الغذائي بسرعة لذا فالمدخن يحتاج إلى 200 سعرة حرارية في اليوم أكثر من غير المدخن، علما بأن النيكوتين يأخذ قسطا كبيرا من الشّهيّة للطعام، فبعد ترك التدخين لا يعود الجسم يحرق كل السعرات التي تفوت الجسم. كما وإنّ الكثيرين لا يكتفون بتناول الطّعام بل يبدو عندهم ضعف إرادة ويبدؤون بتناول الحلويات والشوكولاتة الزائد، فلمَ هم يستغربون من زيادة الوزن؟ فلا نستغرب من أن ضعيفي الإرادة يعودون بسبب زيادة الوزن إلى التدخين من جديد. وهنا الطامة الكبرى! وما عاد لهذه النصائح والتوضيحات من قيمة!