موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢١ ابريل / نيسان ٢٠١٩
البطريرك ساكو في عشية عيد القيامة: لا بدّ للعراق أن يقوم من أزماته

بغداد – أبونا :

ترأس البطريرك الكلداني لويس روفائيل ساكو قداس عشية القيامة في كاتدرائية القديس يوسف في العاصمة العراقية بغداد، يشاركه سفير الكرسي الرسولي المطران البيرتو اورتيغا مارتن، ولفيف من الأساقفة والكهنة، بحضور عدد من المسؤولين الرسميين وسفراء السلك الدبلوماسي، وجمع من الراهبات والمؤمنين.

وبحسب الموقع الإلكتروني للبطريركيو، فقد ألقى غبطته خلال القداس، عظة دعا فيها إلى التعمق في رسالة المسيح إلى عالم اليوم، وقراءة ظروف العراق في ظل أزماته، على ضوء هذه الرسالة وبعين الرجاء والإيمان الراسخ بغدٍ أفضل. واختتمها بالتهاني في هذه المناسبة مقرونة بالتمنيات أن يعود، من خلال سيادة القانون واندحار الفساد، الأمان والاستقرار السلام الى العراق.

وقال البطريرك ساكو: "من المؤسف أن مجتمعاتنا أخذت تغيِّب الله والقيم الروحية والأخلاقية بشكل متزايد. وأن العديد من الأشخاص والمؤسسات والدول تعتبر هذه القيم قديمة ونسبية لا تتلاءم مع ثقافة اليوم، فالعلمانيون على سبيل المثال يصرحون بأن الثقافة العلمانية هي أقوى من الديانة! هذه الثقافة التي تفرغ البشرية من القيم السامية تضع عالمنا على المحك. ولهذا السبب رفع يسوع المسيح صوته النبوي داعيًا إلى ثورة شاملة للتغيير والإصلاح بمواقف صادقة واحترام حياة الانسان وكرامته، كونه مخلوق على صورة الله ومثاله. وندد بابتزاز الناس باسم الدين، لذلك تمت تصفيته".

وأضاف: "علينا أن ندرك أهمية حاجتنا إلى نور الله لنعيش في قيم المحبة والعطاء والانفتاح والخدمة والأمانة والاحترام، فيكون لنا السلام والفرح. هذا الإيمان أساس حياتنا ومستقبلنا وليست المصالح المادية الضيقة. بهذه الروحية والتمرس على هذه القيم بإرادة قوية يمكننا أن نتحرر من الخوف والقلق ومن قيود اخرى كثيرة. يقول البابا الفخري بندكتس السادس عشر في مقال نشر بمجلة كليروسبلات: ’لا يمكن للقوّة المضادّة للشر الذي يهددنا ويهدد العالم بأسرّه، أن تكون في نهاية المطاف، إلا من خلال دخولنا في هذا الحبّ. لا يمكن لعالم بدون الله أن يكون سوى عالم بلا معنى، حيث معايير الخير أو الشر لم تعد موجودة فيه، ولم يتبق سوى قانون الأقوى (الارهاب)، فالعالم الذي يصنع نفسه بنفسه من دون الله يصنع الموت‘"، مشيرًا إلى أن عالم اليوم "يتهافت إلى صناعة كل أشكال الأسلحة، ومنها أسلحة الدمار الشامل، ويصنع الحروب، ويصنع بالتالي الموت والدمار".

وقال البطريرك ساكو: "نحتفل اليوم بقيامة المسيح، الذي هو عربون قيامتنا، وارتقائنا إلى مستوى آخر من الوجود والعلاقة. فالمسيح يدعونا إلى اكتشاف أبوّة الله لنا وحضوره الحي بيننا، كما يدعونا للعودة إلى اخوّتنا الإنسانية. هذه العلاقة الأخوية الصادقة تجعلنا أصدقاء نعيش بسلام وتناغم، ونتقاسم مع بعضنا همومنا واحزاننا، آمالنا وافراحنا. صداقة منفتحة، تجعلنا عائلة واحدة. يكون الله حاضرًا وحيًا في حياتنا عندما نكتشف أنه محبة وحي في قلب الكون الجميل الذي خلقه وأحبه، والذي ينبغي أن نندهش من جماله ونحافظ على البيئة – الطبيعة، التي ينبغي أن تكون جزءً من كياننا وحياتنا. هذا الحضور نعبر عنه بصلاة بسيطة تنبع من قلبنا أو بخدمة المحبة، عمل الاحسان، تجاه المحتاجين، أو تحقيق المصالحة والسلام".

وأضاف: "من منطلق هذا الإيمان وبالرغم من كل المخاوف، لنا الثقة المطلقة بأن الوقت سيأتي وروح الله سيغير قلوب الرجال والنساء بشكل أفضل، فيوم الله لا يقاس بأشهر أو سنوات. إننا نعلم تمامًا أن معاناتنا لن تكون عبثًا، كما لم تكن آلام المسيح للموت النهائي، بل تكللت بالقيامة والمجد. العراق بلد الحضارات العريقة، وللعراقيين فكر وشجاعة، فلا بد أن يتوحدوا لاستعادة بناء بلدهم. ما عشناه من ألم وضيق، ومن دماء شهداء، كل هذه السنوات العجاف، سيعمل لا محالة على إيجاد طريقة متناغمة من الحياة معًا بسلام كأخوة واخوات مسيحيين ومسلمين وصابئة وايزيديين. معاناتنا ينبغي أن تدخلنا كل لحظة إلى معرفة سر حضور الله بيننا، الله المحبة والرحمة، وتساعدنا على اكتشاف هذا الأمل الذي ليس وهمًا، بل وعد من الله أبينا بأرض جديدة وسماء جديدة".

وتابع البطريرك الكلداني: "نحن ككنيسة محلية، نحن عائلة واحدة نحتضن كل الأشخاص ونستقبلهم كأخوات وإخوة من دون النظر إلى انتماءاتهم الدينية والعرقية. عندما ذهبنا إلى الموصل للصلاة عن راحة أنفس ضحايا العبارة، وتقديم مساعدات لذويهم، سئلنا هل كان بين المتوفين مسيحيون؟ قلنا نحن لم نأت لأن فيهم مسيحين، بل لأننا نؤمن أن هؤلاء هم أهلنا واخوتنا، وهم عراقيون، ويدفعنا إيماننا بالله إلى الالتزام بخدمتهم بسخاء، من دون تمييز".

وخلص البطريرك ساكو في عظته إلى القول: "دعونا نستفيد من معاني هذا العيد العميقة لتعميق اُخوَّتنا، وتوطيد وحدتنا وترسيخ مبادي المواطنة الكاملة والعيش المشترك، ولنعد لنا مستقبلا افضل مما نحن عليه، وإلا سنفقد وستفقد المنطقة تنوعها وإرثها الحضاري والثقافي والديني، الأمر الذي لا نقبله. لنصلّ من أجل السلام والاستقرار والوئام في بلدنا والمنطقة، ولنصلّ من أجل أن تثمر جهود الحكومة الجديدة ثمارًا خيرة لمستقبل العراقيين".