موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٨ يونيو / حزيران ٢٠٢٣
البطريرك بيتسابالا في عيد جسد الرّب: من دون المسيح ستكون حياتنا تائهة في العالم

أبونا والبطريركية اللاتينية :

 

ترأس البطريرك بييرباتيستا بيستابالا، صباح الخميس، القداس الاحتفالي بعيد جسد الرب. ومن أمام القبر الفارغ في كنيسة القيامة، شدّد بطريرك القدس للاتين في عظته على أنّ هذا العيد هو دعوة "للعودة إلى الخبز الحقيقي، من أجل بناء الشركة والجماعة حول الحب الحقيقي"، أي يسوع المسيح.

 

في مستهل العظة أشار غبطته إلى أنّ العيد بدأ في مدينة لييج البلجيكيّة عام 1247، ثم انتشر إلى جميع أنحاء الكنيسة مع مرسوم البابا أوربانوس الرابع Transiturus عام 1264، حيث كانت الحاجة الماسة للتذكّر، ولإعادة الوعي للمؤمنين بما يغذينا حقًا، هي التي دفعت آباء الكنيسة للاحتفال رسميًّا بوجود المسيح الحقيقي في الإفخارستيا، بعد بضعة أشهر من يوم خميس الأسرار".

 

فردانيّة وسطحيّة

 

ولفت البطريرك بيتسابالا إلى أنّ "الثقافة الشائعة في عصرنا، والتي تحوّلت إلى عقليّة مشتركة، تريد إقناعنا بأنّ الإنسان يعيش فقط على الخبز، وبأنّ الأشياء والقيم التي تتشارك بها الأغلبيّة، بشكل أو بآخر، كافية لإعطاء الإنسان معنىً لحياته وآلامه وموته. لقد أصبحنا أناسًا منسيين، أناسًا سطحيين في حاضرنا، لا نعاين أي أفق متسامي، سوى الأكل والشرب والربح".

 

وأوضح بأنّ "هذا كان موضوعًا للخلافات في العصور الوسطى، والتي دفعت الكنيسة لتأسيس عيد جسد الرب ودمه الأقدسين. حتّى في ذلك الوقت، كان هنالك اعتقاد بأنّ الرمز والقيمة والشعور بالحب كان كافيًا لإشباع الحاجة إلى اللقاء والمحبّة والشركة التي تحرّك قلب الإنسان. كما كان هناك اعتقاد شائع أنّه، وبعد كل شيء، يمكننا ويجب علينا أن نفعل كل شيء لوحدنا".

 

ولفت بطريرك القدس للاتين إلى أنّنا "ما زلنا نواجه هذا الخطر اليوم، وربما أكثر من ذلك الحين: نحن نجازف بالتوقّف عند الرموز والطقوس والأفكار، مما يؤدي إلى اختزال المعنى الحقيقي للحياة إلى ما يمكننا استهلاكه، وإلى اختزال الحب بما يرضيني فقط، أو تقليص الإيمان بما يناسبني أو يقنعني. حتّى العالم الرقميّ للواقع الافتراضي فإنّه يسعى للسيطرة على حياتنا وعلاقاتنا، فضلاً عن الكم الهائل من المعلومات التي تؤثّر على البحث عن المعرفة الحقيقة".

حضور حقيقي

 

وقال: إننا ندرك جيدًا أنّ كل هذا لا يكفي لملء الفراغ الذي يهدد روحنا".

 

وأضاف: "يدرك قلبنا أن الخبز لا يكفي، وأن ملء بطوننا وجيوبنا لا يكفي لإرضاء قلوبنا. كما أنّ الرسائل والقيم والمشاعر لا تكفينا. إنّنا نلاحظ كل يوم، وبدهشة متزايدة، أنّه في عصر الاتصالات العالميّة العظيمة، ازداد الشعور بالوحدة بشكل كبير. وذلك لأنّ الشركة التي نبحث عنها تحتاج إلى شيء آخر، تحتاج إلى آخر. قلب الإنسان يريد الحياة، يريد الحب، يريد حضورًا حقيقيًا، يريد الله".

 

وأكد غبطته على أنّ عيد اليوم يكمن في "الإعلان والاحتفال والكشف عن وعينا بأنّ يسوع هو الخبز الحيّ، النازل من السماء. إذا أكل الإنسان من هذا الخبز، فسيحيا إلى الأبد، وأنّ الخبز الذي يعطينا إياه الله لإشباع جوعنا، هو حياة المسيح الممنوح للعالم".

 

وأوضح بأنّ "الاحتفال بجسد الرب ودمه هو بالنسبة لنا الاحتفال بحقيقة وواقعيّة حياة المسيح، وحقيقة حياتنا فيه. نعم: لأنّ المسيح هو الحق، هو حقيقي، وهو الحيّ. إنّه ليس رسول صالح. وهو ليس مجرد مثال للأخوّة؛ إنه قلب العالم والتاريخ، والحضور السرّي الذي يريد الدخول في علاقة حقيقية معنا؛ فإنّ أكل خبزه، وشرب خمره، والتعبّد لسِّر جسده ودمه، هو تأكيد وعيش حقيقته من أجلنا".

خبزه وحبّه وكلمته

 

وقال: "إذا كان المسيح صادقًا وحقيقيًا، فإنّ حياتنا صحيحة وحقيقية فقط إذا التقينا معه، وهذا ما عرفه الرسل وزكا ونيقوديموس وألعازر والمرأة السامرية.. وعرفها القديسون وأم الكنيسة.. وأيضًا الكهنة والمكرسون الذين يحتفلون اليوم بذكرى لقائهم الأول معه.. ونحن المحتفلينّ هنا اليوم نعرف ذلك. بالتالي، من الأفضل أن نتذكّر أن حياتنا بدونه ستكون تائهة في مشاعر العالم المتضاربة وقيمه الهشة".

 

أضاف: "نحن نعلم أن حبّه، وليس أي حب، وخبزه، وليس أي خبز، وكلمته، وليست أية كلمة، تعطي معنىً للحياة والموت. لأنّ حبّه فقط، وخبزه فقط، وكلمته فقط عَبرت صحراء شر الموت ولم تمت: لأنّ ’من يأكل جسدي ويشرب دمي له الحياة الأبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير‘ (يو 6، 54)".

 

وخلص البطريرك بيتسابالا في عظته إلى القول: "في الأوقات المتغيرة والهشّة، عندما يبدو أن الكنيسة والعالم يعانيان من ارتباك لم يسبق له مثيل، يدعونا الإحتفال بجسد الرب ودمه الأقدسين إلى تركيز نظرنا على الحقيقة، وإلى تذكّر حقيقة الواقع، من خلال العودة إلى الخبز الحقيقي، لبناء الشركة والجماعة حول الحب الحقيقيّ من أجل العبور من الصحراء والخروج أحياء".