موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٨ مايو / أيار ٢٠٢٠
البطريرك الراعي: لتظلّ الأرض اللبنانية أرض الأنسنة وكرامة الإنسان

أبونا :

 

خلال احتفاله بقداس الأحد السادس من زمن القيامة، حيث تحتفل الكنيسة المارونية بتذكار سيدة الزروع، أشار البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، إلى "تفاقم حالات البطالة والفقر بشكلٍ مخيف، وجنون أسعار السلع الغذائية على تصاعد غير مقبول، والقيمة الشرائية لليرة اللبنانية على هبوط مروع، فبالتالي باتت العناية بالزراعة حاجة أوليّة. والكنيسة تضع أراضيها وإمكاناتها بتصرف المجتمع بجمعياته وتعاونياته لاستثمار هذه الأراضي زراعيًا، وتأمين الغذاء، لاسيما وأن لبنان يعتمد على استيراد 70% من حاجته الغذائية".

 

وأضاف: "من أجل هذه الغاية عقدنا اجتماعًا في بكركي في شهر نيسان من العام الماضي، مع الأبرشيَّات والرَّهبانيَّات ومدير عامّ وزارة الزِّراعة. وأطلقنا خطَّةً لاستثمار أراضي الكنيسة القابلة للاستصلاح الزِّراعيّ بالتَّعاون والتَّنسيق مع الكلِّيَّات الزِّراعيَّة والجمعيَّات الأهليَّة والتَّعاونيَّات المناطقيَّة من أجل تأمين الاكتفاء الذَّاتيّ من الغذاء. وإنَّا بذلك نُعيد اللُّبنانيَّ إلى الأرض، ونخلُق فرص عملٍ للشَّبيبة، ونخفِّف من بيع الأراضي والهجرة. وإنَّ لجنة الزِّراعة المنبثقة مِن لجنة الإغاثة البطريركيَّة، تتولَّى مع المركز البطريركيّ للتَّنمية البشريَّة والتَّمكين ومكتب راعويَّة الشَّبيبة في الدَّائرة البطريركيَّة، العمل على تنظيم دورات تدريبيَّة للشباب مع مرافقة وتوجيه ودعم ومساعدة. فالذين يمتلكون أرضًا يستثمرونها، والذين لا يملكون يستطيعون استعمال شرفة منازلهم، فضلاً عن الاستفادة من أوقاف الكنيسة".

 

ودعا البطريرك الماروني "الدَّولة اللُّبنانيَّة لدعم القطاع الزِّراعيّ كركنٍ أساسيّ في الاقتصاد الوطنيّ، وحمايته من المضاربة الخارجيَّة، وتصدير الفائض منه، علمًا أنَّ أكثر من ثلث سكَّان لبنان يعيشون من الزِّراعة. فيجب بالتَّالي تأمين حاجات الغذاء لكلّ الشَّعب اللُّبنانيّ. ما يقتضي تفعيل التَّعاون بين الدَّولة من خلال وزارة الزِّراعة، والمنظَّمات الدَّوليَّة والبلديَّات والجامعات وغرف التِّجارة والنقابات للنُّهوض بالقطاع الزِّراعيّ وتأمين شبكة الأمان الغذائيّ، وتوفير موادّ أوليَّة للمصانع الغذائيَّة".

 

وشدد غبطته على أن "الأرض أمٌّ ومعلِّمة. هي أمُّنا تحتضننا وتقوتنا. وهي مدرستنا تعلِّمنا الصِّدق والعطاء والسَّخاء. فلا تقبل الزغل: إن صدقنا معها صدقت، وإن احترمنا شريعتها الطبيعيَّة سخت. الأرض تُسهِم بطريقةٍ مباشرة في أنسنة الانسان، وتطبعه بطابعها. فمن الضرورة أن يتتلمذ كلُّ شخصٍ في مدرسة الأرض لكي يعيش ملء إنسانيَّته في ما يُسنَد إليه من مسؤوليَّات في المجتمع والكنيسة والدولة".

 

وقال: "كم يؤلمنا فقدان وجه الأنسنة عندنا في لبنان. وأودّ أن أذكر بنوعٍ خاصّ ممارسة بعض القضاة الذين يقضون مِن مِنظارٍ سياسيٍّ أو انتقاميٍّ أو كيديٍّ، من دون أيّ اعتبار لكرامة الأشخاص وصِيتهم ومكانتهم ومستقبلهم. من أين هذه الممارسة الدَّخيلة: اتِّهامٌ وتوقيف في آن من دون سماع المتَّهم؟ أو فبركة ملفَّات مع أمرٍ بالتَّوقيف؟ هل تحوَّلَ نظامُنا من ديموقراطيٍّ يؤمِّن للمواطن كلَّ حقوقه المدنيَّة والقانونيَّة إلى نظامٍ بوليسيّ، ديكتاتوريّ يطيح بالمبدأ الأوَّل في حياة كل أمَّة: "العدل أساس الملك!؟" وما هذا الإفراط بالسُّلطة القضائيَّة، وبخاصَّة إذا علت؟ إلى من يشتكي المواطن المظلوم؟ أإلى زعيمه السياسيّ ليحميه؟ وإذا لم تكن له مرجعيَّة سياسيَّة، أيبقى ضحيَّة الظلم موقوفًا صامتًا، صاغرًا؟ وماذا يعني هذا القضاء الاتنتقائي؟ ثم أين أصبحت التَّعيينات القضائيَّة التي كنّا ننتظر معها بزوغ فجرٍ جديدٍ يحمل إلينا قضاة منزَّهين، أحرارًا، متَّزنين، وغير مرتهنين لأشخاص او لاحزاب؟".

 

وختم البطريرك بشارة بطرس الراعي عظته رافعًا الصلاة "إلى الله، كي يحمي أرضنا اللبنانيَّة، أمَّنا ومدرستَنا، لتظلَّ أرض الأنسنة وكرامة الإنسان. فنستحقّ أن نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدُّوس: الآب الذي خلقنا، والابن الذي افتدانا، والروح القدس الذي أحيانا، الان وإلى الأبد".