موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٤ ابريل / نيسان ٢٠٢٣
البابا فرنسيس: يجب أن يكون الضمان الاجتماعي عادلاً ومستدامًا للأجيال القادمة
نحن بحاجة إلى سياسيين حكماء، يسترشدون بمعيار الأخوة، ويعرفون كيف يميزون بين الفصول، ويتجنبون إهدار الموارد لدى وجودها وترك الأجيال القادمة في مصاعب جسيمة

أبونا وفاتيكان نيوز :

 

حثّ البابا فرنسيس صانعي السياسة الإيطاليين على جعل الضمان الاجتماعي مستدامًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا، مع مراعاة الخير العام للأجيال الحاليّة والمقبلة. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال استقباله 400 من المديرين التنفيذيين والموظفين في المعهد الوطني الإيطالي للضمان الاجتماعي، في القصر الرسولي بالفاتيكان، بمناسبة مرور 125 عامًا على تأسيسه، الاثنين 3 نيسان 2023.

 

 

جميع الأمور مرتبطة

 

أشار البابا فرنسيس في بداية كلمته إلى أنّ الضمان الاجتماعي أصبح "قضيّة الساعة" بشكل متزايد اليوم، حيث أصبحت الجوانب الاقتصاديّة والاجتماعيّة للشيخوخة الديموغرافيّة أكثر أهميّة، في حين يبدو أنّ المجتمع قد "ضيّع أفق المستقبل: لقد تلاشى في الحاضر ولا يهم ما قد يحدث للأجيال القادمة".

 

وأشار إلى أنّه "من العلامات المقلقة بهذا المعنى هي الأزمة البيئية والدين العام الذي يثقل كاهل الأبناء والأحفاد. وبدلاً من ذلك، فإنّ اختيار الاستدامة يجيب على مبدأ أنه من غير العدل أن نُسلِّم الشباب أعباء ثقيلة لا رجعة فيها". وقال: "أشاهد الأطفال هنا، ويتبادر إلى ذهني تعبير رجل يبلغ من العمر 60 عامًا تقريبًا، حيث يقول في مواجهة الشتاء الديمغرافي الإيطالي: ’لكن من سيدفع معاش تقاعدي؟‘، ’لن تكون الكلاب الصغيرة التي يجلبها الناس بدلاً من الأطفال‘!".

 

أضاف: "يشكّل الضمان الاجتماعي شكلاً من أشكال الشؤون الاجتماعيّة التي تحافظ على تماسك الأجيال المختلفة. في الواقع، يتم دعم المعاش التقاعدي المستحق للعامل ليس فقط بفضل سنوات عمله، وإنما أيضًا على واقع أن هناك شخصًا، من خلال نشاطه، يدفع بشكل ملموس المعاش التقاعدي للآخرين. في الأساس، يعتبر الارتباط القوي بين الأجيال شرطًا أساسيًّا لعمل الضمان الاجتماعي".

 

 

ثلاثة نداءات

 

ومن أجل حماية ضمان اجتماعي يرقى إلى مستوى تحدّيات المجتمعات التي تشيخ أكثر فأكثر، مثل المجتمع الإيطالي، وجّه البابا فرنسيس ثلاثة نداءات: العمل غير المعلن عنه، رفض استغلال العمل غير المستقر، والعمل الكريم الإبداعي والتضامني.

 

النداء الأول هو رفض العمل غير المعلن عنه. في الوقت الحالي، في الواقع يبدو أنه يحمل فوائد اقتصادية للفرد، ولكنّه مع الوقت لا يسمح للعائلات بأن تساهم في نظام المعاشات التقاعدية وتستفيد منه وفقًا للعدالة. إنّ العمل غير المعلن عنه يشوّه سوق العمل ويعرض العمال لأشكال الاستغلال والظلم.

 

النداء الثاني فهو رفض استغلال العمل غير المستقر الذي يؤثر على خيارات الشباب الحياتية ويجبرهم أحيانًا على العمل حتى عندما تخور قواهم. على عدم الاستقرار أن يكون مؤقتًا، ولا يمكنه أن يستمر بشكل زائد؛ وإلا، فسيؤدي إلى انعدام الثقة، ويعزّز تأجيل خيارات حياة الشباب، ويؤخّر الدخول في نظام الضمان الاجتماعي ويزيد من انخفاض معدل الولادات.

 

أمّا النداء الثالث فهو التأكيد على ضرورة أن يكون العمل الكريم على الدوام "حُرًّا وإبداعيًا وتشاركيًا وتضامنيًّا". فالضمان الاجتماعي يمثّل شكلاً من أشكال المشاركة في رفاهية الفرد ورفاهية الآخرين. فيما يعد تخصيص الموارد الاقتصادية وضمان الحصول على الرعاية الصحية خيورًا ثمينة تعرف كيف تحافظ على تماسك مواسم الحياة المختلفة.

 

 

ضمانات جيدة وسيئة

 

واستذكر البابا أمثلة من الكتاب المقدّس عن الضمانات الجيّدة والسيّئة.

 

وقال: إنّ الضمانات السيئة هي ضمانات الذين لا يفكرون إلا في أنفسهم، كما يذكرنا المثل الإنجيلي للرجل البخيل، الذي يبني أهراءآت أكبر لكي يخزُنَ فيها خيوره. إنّ الذين يخزنون لأنفسهم فقط ينتهي بهم الأمر بخداع أنفسهم: "يا نَفْسِ، لَكِ أَرزاقٌ وافِرَة تَكفيكِ مَؤُونَةَ سِنينَ كَثيرة، فَاستَريحي وكُلي واشرَبي وتَنَعَّمي"، كما قال ذلك الرجل لنفسه. لكن الرب قال له: "يا غَبِيّ، في هذِهِ اللَّيلَةِ تُستَرَدُّ نَفْسُكَ مِنكَ، فلِمَن يكونُ ما أَعدَدتَه؟". إنّ الذين يحبسون ذواتهم في ضمانات مزيفة ليس لديهم مستقبل.

 

أما الضمانات الجيّدة، تابع البابا فرنسيس، فهي ضمانات يوسف الذي حرص على أن يضع القمح جانبًا في سنوات الوفرة من أجل مواجهة وقت المجاعة بشكل أفضل. "فكانت مجاعة في جميع الأراضي وأما كل أرض مصر فكان فيها خبز" (راجع سفر تكوين). لم يثق يوسف في عناية الله ويعترف بها فحسب، بل ظهر كصاحب بصيرة من أجل خير الشعب. يعرف كيف ينظر إلى الأمام. ويرى الخير حتى عندما يبدو أن الشر يسود؛ ويعتني بالأشخاص الموكلين إليه.

 

وشدّد الحبر الأعظم أمام مدراء المعهد الوطني الإيطالي للضمان الاجتماعي، "على الحاجة إلى سياسيين حكماء، يسترشدون بمعيار الأخوة، ويعرفون كيف يميزون بين الفصول، ويتجنبون إهدار الموارد لدى وجودها وترك الأجيال القادمة في مصاعب جسيمة".

 

 

استدامة اقتصاديّة واجتماعيّة

 

وفي الختام شكر البابا فرنسيس موظفي المعهد الوطني للضمان الاجتماعي على خدمتهم الدائمة لدعم العاملين والعاملات وضمان المساعدة للأشخاص العاطلين عن العمل ولصالح المرضى أو المُسنِّين، مشجعًا صانعي السياسات على تعزيز "ثقافة الخير العام والضمان الاجتماعي والاستدامة، والتي لكي تكون اقتصاديّة يجب أن تكون أيضًا اجتماعيّة".