موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٧ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٨
البابا: الطمأنينة تأتي من معرفتنا بأن الله يقود حياتنا على الدوام

الفاتيكان :

أطل البابا فرنسيس من على شرفة مكتبه الخاص في القصر الرسولي بالفاتيكان، الأحد، ليتلو مع وفود الحجاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس صلاة التبشير الملائكي. وقام البابا اليوم بالرتبة التقليدية عندما يبارك تماثيل الطفل يسوع التي يضعها الأطفال في المغارة الميلادية. وفيما يلي النص الكامل لكلمته:

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

إن الليتورجيا في هذا الأحد الثالث من زمن المجيء تدعونا للابتهاج. اسمعوا جيّدًا: للابتهاج. يتوجّه النبيّ صفنيا إلى جزء صغير من شعب إسرائيل، بهذه الكلمات: "هَلِّلي يا بِنتَ صِهْيون إِهْتِفْ يا إِسْرائيل إِفرَحي وتَهَلَّلي بِكُلِّ قَلبِكِ يا بِنتَ أُورَشَليم" (3، 14). التهليل والابتهاج، أن نفرح: هذه هي دعوة هذا الأحد. يُدعى سكّان المدينة المقدّسة إلى الفرح لأن الربّ قد أَلْغى الحُكمَ علَيها (را. آية 15). فالله قد عَفَا عنها ولا يريد معاقبتها! ولم يعد هناك بالتالي سبب للحزن، ولم يعد هناك سبب للإحباط، إنما كلّ شيء يحملها إلى الامتنان البهيج تجاه الله، الذي يريد على الدوام أن يفدي ويخلّص الذين يحبّهم. وحبّ الربّ لشعبه هو دائم، يشبه عطف الأب لأبنائه، والزوج لزوجته، كما يقول صفنيا أيضًا: "يُسَرُّ بِكِ فرَحًا ويُجَدِّدُكِ بِمَحَبَّتِه ويَبتَهِجُ بِكِ بِالتَّهْليل" (آية 17). هذا الأحد هو أحد الفرح –هكذا يُسمّى-: الأحد الثالث من زمن المجيء، قبل الميلاد.

يناسب بشكل خاص نداء النبي هذا الزمن الذي نستعدّ فيه لعيد الميلاد، لأنه ينطبق على يسوع، عمّانوئيل، الله معنا: حضوره هو مصدر الفرح. صوفنيا يعلن في الواقع: "في وَسَطِكِ مَلِكُ إِسْرائيلَ الرَّبّ"؛ وبعد قليل يكرّر: "في وَسَطِكِ الرَّبُّ إِلهُكِ الجَبَّارُ الَّذي يُخَلِّص" (آيات 15. 17). تجد هذه الرسالة معناها الكامل لحظةَ بشارةِ العذراء مريم، كما رواها الإنجيلي لوقا. الكلمات التي وجّهها الملاك جبرائيل للعذراء تبدو وكأنها صدى لكلمات النبي. ماذا يقول الملاك جبرائيل للعذراء؟ "إفَرحي، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ" (لو 1، 28). "افرحي"، يقول للسيّدة العذراء. ففي قرية نائية من الجليل، وفي قلب امرأة شابة غير معروفة بالنسبة للعالم، يشعلُ اللهُ شرارةَ السعادة للعالم بأسره. إن البشارة ذاتها تُعطى اليوم إلى الكنيسة، المدعوّة إلى قبول الإنجيل كيما يتجسّد، ويكون حياة ملموسة، يقول للكنيسة، ولجميعنا: "إفرحي أيّتها الجماعة المسيحيّة الصغيرة، الفقيرة والمتواضعة، ولكن الجميلة في عينيَّ لأنكِ تتوقين بشوق إلى ملكوتي، وأنتِ جائعة ومتعطشة للعدالة، أنت تنسجين السلام بصبر، لا تتبعين الأقوياء بل تبقين بقرب الفقراء بكلّ أمانة. وهكذا أنت لست خائفة من أيّ شيء إنما قلبك فَرِحٌ". إذا عشنا بهذه الطريقة، أمام الربّ، فسيكون قلبنا دائمًا فرِحًا. ذاك الفرح الأعلى، عندما يكون الله موجودًا، بالملء، وكذلك الفرح اليومي المتواضع، أي السلام. السلام هو الفرح الأصغر، لكنه فرح.

يحثّنا القدّيس بولس هو أيضًا اليوم على ألّا نَكون في هَمٍّ، ألّا نيأس مِن أَيِّ شيءٍ كان، بل لنرفع في كُلِّ شيَءٍ طَلِباتنا إِلى اللهِ "بِالصَّلاةِ والدُّعاءِ" (فل 4، 6). إن إدراكنا بأنّه يمكننا في الصعوبات أن نتوجّه دائمًا إلى الربّ، وأنّه لا يرفض أبدًا دعواتنا، هو دافع كبير للفرح. لا داعي للقلق، فما من خوف يقدر أبدًا أن ينزع منّا الطمأنينة التي تأتي، لا من أمور بشرية، من عزاء بشري، كلا، الطمأنينة تأتي من الله، من معرفتنا بأن الله يقود حياتنا بشغف وعلى الدوام. وهذا اليقين يغذّي الرجاء والشجاعة حتى في خضمّ المشاكل والمعاناة.

ولكن كي نقبل دعوة الربّ إلى الفرح، نحتاج لأن نكون أشخاصًا مستعدّين لاستجواب أنفسنا. ماذا يعني هذا؟ تمامًا مثل أولئك الذين، بعد أن سمعوا بشارة يوحنا المعمدان، سألوه: أنت تعظ هكذا، "ونحن ماذا علينا أن نَعمَل؟" (لو 3، 10). أنا، ماذا عليّ أن أعمل؟ هذا السؤال هو الخطوة الأولى نحو التوبة التي نحن مدعوّون للقيام بها في زمن المجيء هذا. ليسأل كلّ منا ذاته: ماذا عليّ أن أفعل؟ هو أمر صغير، ولكن "ماذا عليّ أن أفعل؟". ولتساعدنا العذراء مريم على فتح قلوبنا لله الذي يأتي، لأنه يغمر حياتنا كلّها بالفرح.