موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٦ أغسطس / آب ٢٠١٩
الأب كوب المخلّصي.. خادم كلمة الله في بلاد بين النهرين

بغداد - الأب ألبير هشام نعّوم :

قبل 60 عامًا بالضبط، جاء إلى العراق الأب لوسيان كوب المخلّصي ليعلّم الكتاب المقدس واستمر بالتعليم لسنوات عديدة، ولظروفٍ صحّية عاد إلى بلده في السنوات الأخيرة إلى أن انتقل إلى ملكوت الآب قبل حوالي ثمانية أشهر، وبالتحديد في صباح يوم 28 كانون الأول 2018. خرّج الأب كوب أجيالاً من الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين، فكان بحقّ خادمًا لكلمة الله في بلاد بين النهرين. افتخرُ بأني أحد تلامذته الكثيرين وأودّ أن أقدّم شهادةً بسيطة عنه، وأملي كبير أن يبقى الأب كوب علامةً ونموذجًا تعود إليه كل الأجيال لتفهم من خلالها عمل الله في بلدنا العراق الذي كرّس الأب كوب حياته من أجله.

في عام 1999، دخلتُ إلى اكليريكية شمعون الصفا وكلية بابل للفلسفة واللاهوت ببغداد، ودرّسنا الأب كوب تاريخ وجغرافية الكتاب المقدّس. وبدأنا نتعوّد سريعًا على لغته العربية الجميلة، وكان يصحح أخطاءنا العربية عندما نقرأ نصًّا من الكتاب المقدّس! وعندما أكملنا هذه المادّة، قال لنا بلغة عامّية: "أشوفكم في اللاهوت" ويقصد بعد ثلاث سنوات، عندما ندخل مرحلة اللاهوت. ولكن، في المرحلة الأولى من الفلسفة، عاد الاب كوب ليدرّسنا اللغة العبرية الكتابية، وفي المرحلة الثانية من الفلسفة درّسنا مادةً أخرى وهي مقدّمات لقراءة الكتاب المقدّس. وصلنا إلى مرحلة اللاهوت ودرّسنا أربع سنوات كلّ الكتاب المقدّس.

كانت أفكار الأب كوب ثوروية، واعترف أنها كانت صعبة علينا أحيانًا. وأتذكر أن بعض الطلاب كانوا يناقشونه في أفكار معينة، بل يعارضونه وتحتد المناقشة أحيانًا إلى أن تصل أن يرفض الطالب تمامًا ما يقوله الأب كوب. فيخرج وقد قرر ألاّ يسمع بعد إليه، ويحرّض آخرين بصورة غير مباشرة إلى عدم التأثّر بما يقول. ولكن هذا الموقف لم يثني الأب كوب يومًا عن طريقته في التعليم، لأنه يريد أن يدخل إلى عمق الكتاب المقدّس، ولا يقبل أن نعيش إيمانًا هامشيًا سطحيًا، بل يريد أن تكون لدينا الشجاعة والجرأة الكبيرة، جرأة يسوع نفسها، حتّى نقف أمام ذواتنا، ونحطّم الأصنام القديمة التي في عقلنا وقلبنا، ونبني إيماننا على حرية الله.

لم أكن من المعارضين، بل كنتُ من الأشخاص الذين يستصعبون كلام الأب كوب، ولكني كنتُ أفكّر كثيرًا في كلامه، أحاول أن استوعبه، والنتيجة أني كنتُ أقتنع في النهاية. لقد غيّر فينا معتقدات جامدة كثيرة، وجعلنا منفتحين على مفاجأة الله الكبيرة. لم يكن يغيّر كلامه كلّ مرة، ولم يكن يتساهل في أفكاره، مهما كانت هناك معارضة، وكأنه متأكد أننا سنقتنع في النهاية، ولأنه يؤمن إيمانًا قويًا بقوّة كلمة الله في حياته والنابعة من خبرته المعاشة لكلمة الله. لم يعطنا الأب كوب معلومات عن الكتاب المقدس بل خبرات الآباء والانبياء ويسوع المسيح، وخبراته الشخصية مع الله الحيّ وكلمته. كنتُ اشعر شعورين تجاه كلمة الله التي يعلّمها الاب كوب: إنها سيف ذو حدّين في متطلباتها، وهي في الوقت ذاته قريبة، وقريبة جدًا من قلوبنا.