موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
الأب كلداني: لتأخذ العائلة المسيحية زمام المبادرة وتجعل من بيتها كنيسةً بكل معنى الكلمة
الأب د. حنا كلداني، النائب البطريركي للاتين في مدينة الناصرة، في حوار مع صحيفة "الصنارة"، بمناسبة الأعياد الفصحية: آن الأوان في الظروف الراهنة، للعائلة المسيحية، أن تأخذ زمام المبادرة، وتحوّل البيت الى كنيسة بكل معنى الكلمة.
الأب د. حنا كلداني، النائب البطريركي للاتين في الناصرة

الأب د. حنا كلداني، النائب البطريركي للاتين في الناصرة

حاوره من الناصرة: زياد شليوط :

 

يصادف بعد غد الأحد، عيد الشعانين وفق التقويم الغربي، وفي الأحد التالي عيد الفصح المجيد. وكلمة "الشعانين" منحدرة من الكلمة اليونانية "اوصنا" وتعني (يا رب خلص)، وهي الكلمة التي استقبل بها السيد المسيح لدى دخوله مدينة أورشليم وهو راكب على أتان. واعتاد الناس الاحتفال بهذا العيد مع أطفالهم وأبنائهم خاصة، وهم يحملون سعف النخل وأغصان الزيتون، والشموع المزينة، مما يضفي أجواء البهجة والفرح على العيد. لكن هذا العام وفي ظل انتشار فيروس الكورونا، والتعليمات الصادرة عن وزارة الصحة المانعة لتجمع الناس، وفي ظل تعليمات الكنيسة باقتصار الصلوات على الكهنة، فان العيد يأتي والأطفال في بيوتهم، محرومون من بهجة العيد وحمل الشموع والطواف بها، ولهذا يقترح قدس الأب د. حنا كلداني، المدبر البطريركي اللاتيني في الناصرة من خلال لقاء خاص مع صحيفة "الصنارة"، على الأهالي تحويل البيوت الى كنائس، والاحتفال بالعيد بشكل عائلي كل في بيته.

 

وفيما يلي نص اللقاء بمناسبة قدوم الأعياد الفصحية:

 

الصنارة: صدر قبل أيام بيان رؤساء الكنائس حول الاحتفال بأعياد الفصح في ظل الكورونا، كيف سيمر العيد على جمهور المؤمنين هذا العام؟

 

الأب كلداني: الوضع الذي يمر علينا ليس خاصا ببلادنا بل يمر على العالم أجمع، وما يتم عندنا يتم في العالم أجمع حتى في روما، وما يهم الكنيسة أولا الانسان بعد الله. فالانسان هو مقيم العبادة. اذا وجد خطر على الانسان وحياته تكون الأولوية لحياة الانسان وسلامته. لذا يقيم الكاهن وأهل الدير الصلوات مع عدد لا يتجاوز أصابع اليد حفاظا على السلامة العامة. نحن في الأرض المقدسة أصحاب الحدث، الشعانين والفصح تما في بلادنا ووطننا، نحن أكثر الناس وفاء له، ونظرا للوضع الصحي الراهن لن تكون هذا العام دورة في القدس في جبل الزيتون وفي سائر البلدات، ستكون احتفالات على نطاق ضيق لحماية الجمهور.

 

الصنارة: وماذا تقدم الكنيسة للمؤمنين من بدائل؟

 

الأب كلداني: أولا سيتم بث الصلوات من الرعايا مباشرة، عبر وسائل الاتصال الاجتماعية إضافة الى التلفزيون وبعض الفضائيات. لكن هل يبقى المؤمن اليوم في عيد الفصح وغدًا في عيد الفطر مثلا، هل يبقى المؤمن المسيحي اليوم مشاهدًا للحدث من بعيد، وكأن الأمر لا يعنيه؟ بالطبع لا، كمرحلة أولى هذا جيد. لكن وجهة نظري أنه آن الأوان للمؤمن، للعائلة المسيحية أن تأخذ زمام المبادرة، الأب في البيت هو كاهن الرعية ومسؤول عن العبادة والصلاة لأولاده، وأن يقيم جو العيد ضمن الإمكانيات المتاحة في بيته. أول إمكانية متاحة هي قراءة الانجيل المقدس، ان يقوم الأب مع الأم بترتيب الاحتفال في صباح العيد، لأن الظروف لا تسمح أن يكونوا في الكنيسة، ان يقوم بقراءة وتفسير الحدث لأولاده، بموجب الكتاب المقدس، أن يضيئوا الشموع ويضعوا الصليب أمامهم، إقامة الشعنينة في البيت وتحويل البيت الى كنيسة بكل معنى الكلمة. لا أن يكتفي أهل البيت بمتابعة القداس عبر وسائل الاتصال، ويكون المؤمن متفرجا بدون تفاعل. متابعة الصلاة، والاستماع الى التراتيل من خلال آلات التسجيل وغيرها وأن نتابع الصلاة معها، أن نعمل شيئا شخصيا وهو عيش الانجيل.

 

الصنارة: الى جانب الصلاة ماذا للمؤمن أن يفعل في العيد؟

 

الأب كلداني: العيد حسنة للفقير. كل عائلة تستطيع أن تخرج من مصروفها لمساعدة العائلات الفقيرة، بدءًا بأقرب الناس اليها في الحارة ثم البلدة. اما مباشرة أو من خلال الكنيسة فواجب الخير قائم. ممارسة المعايدات الاجتماعية، وهذه وفرتها لنا وسائل الاتصال الحديثة، في أن نتبادل التهاني عبر رسائل الكترونية مما يغني عن الزيارة في أيامنا هذه.

 

الصنارة: ما هو دور الكنيسة في هذه المحنة على صعيد العالم؟

 

الأب كلداني: دور الكنيسة كبير جدا. حاضر، بالصلاة أمام المسيح الرب أن يعفينا من هذا الوباء. لكن عندما نقول الكنيسة لا نعني فقط قداسة البابا والأساقفة والكهنة، بل كل مؤمن هو جزء من الكنيسة. لكن الكنيسة الرسمية تقوم بدورها مثلا من خلال الصلوات، مرافقة العائلات المتألمة. الكنيسة اليوم نشطة في ترتيب وتوزيع المساعدات للمحتاجين. توزيع المساعدات للمحتاجين من منطقة إلى أخرى مثلا: مبادرة رعية الرينة لتبرعات عينية وارسالها لمنطقة بيت جالا وبيت لحم، أو أن تقوم الرعايا بمساعدة العائلات الفقيرة من حولها. مثل واقعي آخر، حيث قمنا صباح يوم الأربعاء بزيارة المستشفى الإنجليزي في الناصرة وأقمنا الصلاة مع الأطباء والممرضين في القسم الجديد الذي أقيم لاستقبال مرضى الكورونا، والمجهز بأحدث التجهيزات وبأعلى مستوى، حتى يوفقنا الله مع العمل الطبي الرائع، وكذلك في المستشفى الفرنسي يجري الاستعداد لأمر مشابه. مثال آخر تمثل في عقد اجتماع على أعلى مستوى للبطريركية اللاتينية، بهدف دراسة ماذا نعمل كبطريكية مع ما يزيد عن 2000 موظف لدينا وكيف نحافظ عليهم في هذه الظروف الاستثنائية، كيف نتدبر المال لهم بدل اخراجهم من العمل. كذلك دراسة أحوال مدارسنا في هذه الظروف المستجدة، متابعة تعليم الطلاب عن بعد، الامتحانات المقبلة، الدخل الشهري للعائلات في الأردن وفلسطين وهنا في الجليل، فالكنيسة من أكبر المشغلين مع المؤسسات الاجتماعية، بحيث نتقاسم مع أهلنا القليل الذي يتوفر بين أيدينا.

 

الصنارة: هذا يدفعنا للسؤال ماذا مع المدارس التابعة للكنيسة، وهل من ترتيبات خاصة بعد عطلة الأعياد؟

 

الأب كلداني: هذا الأمر متروك للحكومات المعنية، سواء في إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية. نأمل أنه بعد الأعياد تعود المدارس للعمل والحياة لكل المناحي العملية من صناعة وتجارة وسياحة، لكن الأمر غير معلوم لنا بعد. نحن نتقاسم الوطن، ونصغي ونمتثل للوزارات المعنية للحفاظ على سلامة حياة الانسان أولا، وبعدها يأتي التعليم وسائر الأمور. ما زلنا بانتظار التعليمات والقرارات حيث نتلقى بشكل أسبوعي تقارير على الضوء المرئي، نحن أدخلنا برنامج التعليم عن بعد في مدارسنا، لمساعدة الطلاب في تقديم الشرح والوظائف، فالطالب يتابع ويتواصل مع المعلمين والمدرسة شؤون التعليم اليومية.

 

الصنارة: ما هي كلمتك الختامية لمعايدة جمهور المؤمنين بمناسبة الأعياد الفصحية القادمة؟

 

الأب كلداني: المعايدة أقتبسها من وحي زيارة المستشفى الإنجليزي، حيث أطلقوا على القسم الجديد هناك اسم "جناح الناصرة وقسم النصر". نحن بانتظار عيد الفصح، ونحن كمسيحيين نرى فيه انتصار السيد المسيح على الموت، مسيحيين وغير مسيحيين ننظر النصر على الموت، والأمل من خلال العلم والطب والبحث، حتى نواجه الوباء روحانيًا بروح معنوية عالية، بروح الرجاء والتضامن. أكبر خطيئة أن يفقد الانسان الرجاء والثقة بنفسه، بمؤسساته المحلية والعمل العام، أي أن يفقد الثقة بالله. كل عام وأنتم بخير والمسيح قام.. حقا قام، والمسيح القائم والقيامة تتطلب منا تجديد الثقة والرجاء بالله وبأنفسنا، حتى نستطيع مع المسيح المتألم أن نصل للقيامة، ونقوم معه وننتصر بقوة ايماننا وتضامننا التام، وننهي هذه الجائحة التي تتحدى العالم.