موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر السبت، ٤ يوليو / تموز ٢٠٢٠
إميل أمين، يكتب: من أبوظبي للفاتيكان وصولا إلى الأمازون

إميل أمين :

 

نهار الخميس الماضي كانت وثيقة الأُخُوّة الإنسانيّة التي تمّ توقيعها في أبوظبي في فبراير 2019 بدعم وزخم إماراتيّ وبالشراكة مع حاضرة الفاتيكان والأزهر الشريف، تتحوّل إلى واقع حيّ مُعاش، وتتجاوز مسافات ومساقات التنظير الفكريّ للمشهد على جودته وأهميته.

 

في ذلك اليوم كانت طائرة تتحرّك من أبوظبي مُحَمَّلة بنحو خمسين طنا من الموادّ الغذائيّة والدوائيّة متوجّهة إلى دولة "البيرو"، ثمّ عبر البرّ لتصل إلى مدينة "إيكيتوس" التي يقطنها نحو أربعمئة ألف نسمة، وتقع على حافّة نهر الأمازون، وسط تلك الغابة الكثيفة.

 

تبدأ القصّة من عند طلبٍ ورجاء من البابا فرنسيس إلى سمو الشيخ محمد بن زايد، من أجل استنقاذ أرواح أُخوة في الإنسانيّة يقتربون من الموت بسبب الجوع وانتشار الوباء، ومن جرّاء القيود التي فرضت على الحركة وانتقال البضائع والبشر، وباتت قيمة الأُخُوَّة تستدعي تحرُّكا عاجلا أقدمتْ عليه الإمارات لتفتح طريقا جديدا للتضامن بالفعل لا بالقول.

 

لم يأخذ هذا الخبر حقّه في التغطية الإعلاميّة حول العالم العربيّ بنوع خاصّ، وقد يُعزى ذلك إلى الملفّات الساخنة الملتهبة والمشتعلة حول العالم.

 

غير أنّ الفعل يستحقّ إلقاء المزيد من الضوء، ذلك أنّ الوثيقة الفريدة من نوعها، باتت الآن ركنا أساسيّا في تغيير شكل العالم تغييرا حقيقيّا جذريّا لا يتوقّف عند مفاهيم الربح والامتلاك والتجاوز عبر الغنى ومراكمة الثروات، تغييرا يمضي في طريق أنسنة الإنسانيّة من جديد، وهذا أمر عظيم حقيقٌ بأن تمضي الجماهير الغفيرة في إثره شرقا وغربا، عربا وعجما.

 

في الخبر جزئيّة غير واضحة المعالم للكثيرين، وهي أن المؤسَّسة الشريكة في إظهار هذا التضامن مع دولة الإمارات العربية المتّحدة هي مؤسَّسة Gravissimus Educationis، وهي مؤسّسة بابويّة ناشطة في مجمع التربية الكاثوليكيّة التابعة للكرسيّ الرسوليّ.

 

منذ أن ضرب الوباء العالم، كانت الإمارات سبّاقة في تقديم يد العون لكلّ محتاج وملهوف، ولعلّ عظمة الفعل الإماراتيّ له جذور ضاربة في الخير العامّ قَصَّها ذاتَ مرّة سموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والذي أخبر أنّه غداة عودته من رحلة إلى أفريقيا، كان يحادث زايد الخير رحمه الله عن حالة الفقر والبؤس التي واجهها في بعض مواقع ومواضع الدولة التي قام بزيارتها.

 

يومها سأله الراحل الكبير: "وماذا قَدَّمْتَ أنت لهم؟. وما كان من زايد المحبوب إلى ما شاء الله سوى أن ألقى خطبة عصماء في أصول وجذور عمل الخير، تلك التي لا تتوقّف عند دين أو جنس، نوع أو لون. إنّها عبادة تقيّة نقيّة لوجه الله، الذي نراه في الانسان المتألّم والمجروح.

 

طارت آلاف الأطنان من أبوظبي إلى العالم خلال الأشهر الأربعة المنصرمة، وقبلها وبعدها، لم ولن تتوقَّفْ روح العطاء الإماراتيّ حول العالم، لا سيّما وأنّ الوباء والتعبير هنا لأمين سرّ المؤسّسة الحبريّة المتقدمة، المطران "غازي ريال ثيفيبيرج"، قد جعل شعوبا بأكملها لا تواجه الوباء فقط، بل الفقر أيضا، والذي تفاقم بسبب الحجر الصحّيّ، وفي هذه الحالة أصبحت أولويّاتها البقاء على قيد الحياة، لذلك يجب علينا أوّلا أن نلبّي الاحتياجات الأساسيّة من الغذاء والدواء، ومن ثمّ الاحتياجات التربويّة، إنّه نهج يفتح طريقة التربية المتكاملة.

 

يعنّ للقارئ هنا أن يتساءل: "وما علاقة التربية بهذا الشأن؟

 

الشاهد أنّه كما كانت حكمة زايد الخير مجذّرة لفعل المودّة الإنسانيّ، وكانت رؤاه تفتح أبوابا واسعة لتعليم فطريّ سرمديّ يسري في الكون منذ خلق الله العالم، ولا يحتاج إلى جامعات وأكاديميّات، هكذا نجد البابا فرنسيس، هذا الفقير إلى الله، والذي يقرّ أنّه بِـ "تغييرنا في التربية نستطيع أن نُغَيِّر العالم".

 

يبحث فرنسيس عن إعطاء روح جديدة للعالم، من خلال تنشئة فكريّة وأخلاقيّة تعلم أن تعزّز الأمور الجميلة التي تلفّها العولمة وأن تصحّح السلبيَّ منها".

 

والثابت أنّه لكي يتعزّز مفهوم الأخوّة الإنسانيّة على أكمل وجه تبقى المدارس والجامعات والمؤسّسات التعليميّة المختلفة هي الطريق إلى الأمل في أجيال تعيش في أُخُوَّة حقيقيّة، وتجعل من البشريّة جسدا واحدا، إذا مَرِضَ عضوٌ منه تداعتْ له سائرُ الأعضاء بالسهر والحُمَّى.

 

من الإمارات إلى العالم رسالة أمل في أنّ الأديان تعزّز من وحدة الإنسانيّة، وأنّ الاختلاف كما هو سُنَّة الله في الكون، يمكن أن يكون أداة للتناغُم، ولعلّ فقراء الأمازون الذين وصلتهم أطنان المساعدات الإماراتيّة عبر التواصل مع المؤسّسة الفاتيكانيّة سيواجهون أنفسهم بعلامة استفهام: "كيف لهذه الدولة المسلمة أن تتعاون مع الفاتيكان رمز الكاثوليكيّة المسيحيّة في العالم، من أجل إنقاذنا من الموت المحقَّق؟

 

الجواب حتما سيكون مزلزِلا للكثير جدّا من الثوابت المغشوشة، والفعل الإماراتيّ الفاتيكانيّ يحثّنا على عدم ترك أحد يسلبنا الرجاء وإلى دمج التغيير الاجتماعيّ بشكل إيجابيّ والانغماس في الحقيقة، ومنح العالم بصيصا من الأمل يوما تِلْوَ الآخر.

 

قبل بضعة أسابيع من وصول المساعدات إلى منطقة الأمازون، كانت المخاوف قد تصاعدت من أن يقضي فيروس كورونا على قبائل أصليّة في البرازيل، بعد وصول الوباء إلى منطقة غابات الأمازون التي تُؤْويهم، وبات الفيروس الشائه يشكّل خطرا مشابها لتلك الأوبئة المميتة التي ضربت مجتمعات قَبَلِيّة سابقة مثل الحصبة في الستينات التي قتلتْ 9% من المصابين في مجمع يانومي.

 

الإمارات والفاتيكان يضعان العالم أمام خبرة "أُخُوَّة إنسانيّة حقيقية"، في عالم باتت فيه الأنانية المصحوبة بالنرجسيّة والانغلاق على الذات، هي الوباء الأخطر من الكورونا، خبرة تعلّمُنا أنّ العالم عند الجائحة قد وجد أنّه على مفترق طرق: النجاة جميعا أو الهلاك معا.

 

(العين الإخباريّة)