موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢ مارس / آذار ٢٠٢٠
"أن نتصالح"... الزمن الاربعيني دعوة إلى المصالحة
الأب بشار فواضله، المرشد الروحي لشبيبة موطن يسوع - فلسطين

الأب بشار فواضله، المرشد الروحي لشبيبة موطن يسوع - فلسطين

الأب بشار فواضله :

 

مقدمة

 

عندما يبدأ زمنٌ جديد في حياة الكنيسة يُطلب منّا أن نكون على أتم الاستعداد لكي نبدأ رحلة جديدة أو بالأحرى مغامرة جديدة، وهذه المغامرة تتطلب عودة عميقة إلى الذات وأن نكون واعِين بأن معرفة الذات معرفة عميقة وناضجة تجعل مغامرتنا ناجحة ومميزة. لذلك علينا أن نسلم نفوسنا وذواتنا للروح نفسه الذي قاد يسوع إلى البرية، كما جاء في نص الانجيلي مرقس "وأخرجه الروح أو دفعه..." إلى البرية (مر12:1-13). وهي رسالة تحضير الطريق للخلاص والتوبة لغفران الخطايا، وليكون الجميع بالقرب من قلب الرب، وهذا يأتي من خلال معرفتنا العميقة لكلمة الرب والتأمل فيها.

 

أن نكون شهودًا في برّية العالم

 

قال النبي هوشع: "هاءنذا استغويها، وآتي بها إلى البرية وأخاطب قلبها" (هو١٦:٢). أحب الله شعبه. والشعب أخطأ وأبتعد عن الله. وهذه هي حال البشرية، وهذه هي حال كل واحد منا اليوم. ولكن الله يتابعنا ولا يتركنا لخطيئتنا. إنه يدعونا إلى البرية حيث نكون وحدنا معه. لرؤية الله من جديد يجب أن ندخل البرية، أن نترك كل شيء حولنا، لنقف أمامه تعالى أحرارًا غير مثقلين بأي خطيئة، فنكون قادرين على الإصغاء وعلى سماع صوت الله. رسالة كبيرة ينادي بها الله الشعب، يخاطب الله قلب شعبه، يخاطب كل واحد منا لأنه أحبنا: لنترُكْه يستغوي قلوبنا طالبًا منا أن نذهب إلى البرية حيث يخاطبنا لنعود ونلتقيه من جديد، فنصبح قادرين على خوض مغامرة المصالحة في العالم ويرجع دم الحب ينبض من جديد، ليعطي الشعب والعالم حياةً وخلاصًا.

 

يدعونا الرب في هذا الزمن الاربعيني إلى البرية لكي يخاطب قلبنا، لكي نكون قريبين منه ويكون هو معنا. يدعونا في زمان ومكان مناسبين لكي نلتقي معه، وهناك سأعرف منّ أنا! ومدى محبة الله لي! ومن هناك سأعود إلى ذاتي وأشعر كم أنا ضعيف ولكني قوي بالمسيح الذي يقوّيني! عندئذٍ سيطبع الزمن الأربعيني فيَّ طابع "التوبة" التي تعني: انكسار القلب، وانسحاق الروح، وأن أدع الروح الصالح يسيرّني كما سار بيسوع في البرية.

 

زمن الصوم هو الزمن المناسب

 

1. لنوجه لأنفسنا دعوة قويّة إلى التوبة، فالمسيحيّ مدعوّ للعودة إلى الله "بكلّ قلبه".

 

2. بألا نكتفي بحياة سطحية، بل تنمو فينا صداقة عميقة مع الرب.

 

3. لكي نكتشف أكثر بأن يسوع هو الصديق الذي لا يتخلّى عنّا أبدًا، لأنه ينتظر بصبرٍ أن نعود إليه، فهو "واقفٌ على الباب يقرع" (رؤيا 20:3).

 

4. لتكثيف حياة الروح عبر الوسائل المقدسة التي تقدّمها لنا الكنيسة: الصوم، والصلاة، والصدقة.

 

5. لقراءة كلمة الله والاصغاء إليها والتأمّل فيها، وعيش الأسرار.

 

6. لبداية طريق جديدة تؤدي إلى نهاية حتمية: فصح القيامة وانتصارنا مثل انتصار المسيح على الموت.

 

في الختام ما يُطلب مني في هذا الزمن المقدس هو أن أكون على قدر المسؤولية في النقاط التالية:

 

1. أن أصلي: لأن الصلاة تجعل مني إنسانًا جديدًا. أن أصلّي يعني أن أحب أخي، وبذلك أعمل بوصية القديس يوحنا الرسول: "من قال إنه في النور وهو يبغض أخاه لم يزل في الظلام إلى الآن" (1يو9:1-11).

 

2. أن أحب: لأن الحبّ يُعطى فقط، وهو ثمرة تنضج في جميع الفصول كما تقول الأم تريزا، فمن خلاله أستطيع أن أتحرّر من الغضب والادانة، ويثمر فيَّ ثلاثين وستين ومائة ضعف.

 

3. أن أجد ذاتي من جديد: زمن الصوم هو الوقت المناسب لكي أعود إلى ذاتي وأتجدّد، واتخذ مواقف ايجابية في كنيستي ومجتمعي وكل مكان أتواجد فيه.

 

والسؤال الأخير هو: هل تصل في النهاية إلى الفصح؟

 

الجواب هو نعم، إذا قاومتَ التجارب على أنواعها كما قاومها يسوع، وإذا تعودتَ التخلِّيَ والزهد في حياتك، فبقيتَ نوعًا ما في البرية حاضرًا أمام الله، وأخيرًا إذا كملت صلاتك بمحبة جميع إخوتك.