موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠
5 كانون الأول: القديس سابا الناسك، رئيس الدير
دير مار سابا، أريحا - فلسطين

دير مار سابا، أريحا - فلسطين

إعـداد الأب وليم عبدالمسيح سعيد الفرنسيسكاني :

 

وُلد القديس سابا في قرية قرب قيصرية كبادوكية عام 439، من أبوين مسيحيّين وكانا من أغنياء تلك البلاد وأشرافها. نشأ على حب الفضيلة منذ نعومة أظفاره. هرب إلى البرية ودخل ديرًا هناك ليعبد الله بالهدوء والسكينة، فبدأ بالمحافظة على الصلوات والطاعة والقيام بفرائضه بكل أمانة ونشاط، حتى أنّه فاق رهبان الدير بتواضعه وطاعته وتجرده وأصبح مثالاً للجميع.

 

عاش في الدير عشر سنوات في جهاد متواصل، وتاقت نفسه إلى الوحدة والعيشة المنفردة، فاستأذن رؤساءه ليسمحوا له بالذهاب إلى القفار الفلسطينيّة ليعيش عيشة النسك فسمحوا له بالسفر، فأتى أورشليم وزار الأماكن المقدسة، ثم نزل إلى البراري وأتى إلى دير القديس أفتميوس الكبير وطلب أن يقبل في عداد النساك، ففرح به أفتميوس، ولكنّه نظرًا لحداثة سنه أرسله إلى دير القديس ثاوكتستس حيث كان المبتدئون يستعدون للحياة النسكيّة المفردة التي يديرها القديس أفثيميوس نفسه، فعاش هنالك مواظبًا على الإماتات الرهبانيّة وسائرًا في طريق الكمالات الإنجيليّة.

 

وفي هذه الأثناء رقد القديس ثاوكتستس بالرب، فطلب سابا إلى من خلفه أن يسمح له بحياة الإنفراد. وكان له ذلك. فذهب وسكن في مغارة يمارس فيها أعمال النسك الشديدة. كان يقضي خمسة أيّام من الأسبوع في الوحدة التامة مثابرًا على التأمل والصلاة، يشتغل بعمل السلال ويبيعها لينفق على نفسه ويتصدّق على الفقراء . كان يذهب يومي السبت والأحد إلى الكنيسة ليسمع الإرشادات الروحيّة وحضور الذبيحة الإلهية وتناول الأسرار المقدّسة، من ثم يعود إلى خلوته.

 

دعاه القديس أفثيميوس بالشاب الشيخ لرصانته في حياته وجمال فضائله وطباعه. أقبل النساك والرهبان إلى سابا يطلبون إرشاده، وأخذ الكثيرون يتتلمذون له. فأنشأ لهم المناسك وقام يرشدهم. ولما تكاثر عددهم شيّد لهم ديرًا أقاموا فيه. انتشر صيت قداسة سابا وفضائله وعمّت كلّ البلاد، فرسمه البطريرك سالستس كاهنًا رغم ممانعته، وأسند إليه الرئاسة العامة على المناسك في فلسطين. وأتته أمّه حاملة إليه أموالاً كثيرة من إرث أسرته وطلبت منه السماح لها بالإقامة تحت كنفه ما بقي لها من العمر، فسمح لها وعنى بوالدته في أيّامها الأخيرة، ولمّا رقدت أنشأ بالأموال التي حملتها إليه مستشفى للمرضى بجوار الدير، ومستشفى آخر في أريحا ومضافة للزوّار بقرب الدير، وذهبت الأموال في سبيل خدمة القريب.

 

استحوذ الحسد على بعض الرهبان فنالوا من كرامته والتظاهر ضدّ سلطته فآثر الإبتعاد عن الدير على أن يقاوم الشرّ بالشرّ وتوغّل في الصحراء حيث وجد مغارة دخلها. وما أن أقام فيها حتى رأى أسدًا هائلاً يدخل عليه لأن تلك المغارة كانت عرينًا له، فلم يضطرب سابا لرؤيته وقال للأسد "لا تغضب فالمحلّ يتّسع لي ولك"، فحدّق فيه الأسد ولوّح بذيله وغادر المغارة وترك القديس سابا في عرينه ومضى. لكنّ الرهبان أشاعوا بأن الأسد قد افترسه وطلبوا إلى البطريرك تعيين آخر مكانه.

 

ولمّا كان عيد تجديد هيكل القيامة جاء سابا كعادته إلى أورشليم ليحضر العيد فرآه البطريرك وتمسّك به وأعاده إلى ديره وعمله بالرغم من إعتذار سابا عن ذلك، وإدّعائه بقلّة الدراية في تدبير أمور رهبانه، أمّا هو فلوداعته وتواضعه وحبّه للسلام فسكت عن عصيانهم وبقى يسهر عليهم.

 

ترأس القديس سابا وفدًا من رؤساء الأديار للسفر إلى القسطنطينيّة للمثول أمام الملك وتقديم رسائل له من إيليّا بطريرك أورشليم لكي يرفع الشدّة عن فلسطين. فلم يسمح له الحرس بالدخول إلى القصر لأنهم ظنوه أحد الخدم لما كان عليه من التواضع. ولمّا قرأ الملك الرسائل سأل عن سابا فأخبروه بالأمر، فاستدعاه وبالغ في إكرامه، وأرسل إلى عمّاله لتخفيف الوطأة عن البلاد ورضي عن البطريرك إيليّا  منح سابا ألف دينار ذهبًا مساعدة لأدياره.

 

امتاز سابا في حياته بالوداعة والتواضع والفطنة، وكان شفوقًا على القريب، خادمًا للضعيف والغريب، كثير الإماتات والأصوام، ولذلك منحه الله صنع العجائب. كان القديس سابا الناسك ملاكًا على الأرض وإنسانًا يعيش في السماء، حكيمًا قديرًا وحامي العقيدة القويمة.

 

رقد في الرب عام 532، وقد ناهز الثانية والتسعين من عمره. فلتكن صلاته معنا.