موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٩ أغسطس / آب ٢٠٢١
29 آب: تذكار قطع رأس القديس يوحنا المعمدان، عيد كنيسة الأردن
اليوم تحتفل الكنيسة بعيد شفيعها: يوحنا المعمدان؛ الشاب الثلاثيني الذي يفضّل الموت على السماح بالخطيئة وانحدار الاخلاق. يقطع رأسه أثناء الاحتفال بعيد الطاغية هيرودس الذي أخذ منه الشرب ورقصت سالومة أمامه، فأقسم لها بنصف مملكته. لكن أمها لا تريد إلا إسكات صوت الحق. فيؤتى بالرأس فورًا على طبق. واليوم بعد ألفي سنة تحتفل الكنيسة بعيد ميلاد يوحنا في السماء، بينما عيد ميلاد الطاغية أصبح منسيًا.

إعداد الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني :

 

أنّ ميلادَ يوحنّا كان بتدخُّلٍ إلهي مباشر. فأبوه وأمُّه، كانا طاعِنينِ في السّن. ولكنَّ الله، القادر على كلِّ شيء، شاءَ لزكريا وأليصابات أن يُرزقا بطفل، وقد اشتعلَ الرّأس شَيبا، وَبَلَغَا من الكِبرِ عتيّا. فكانت بشارة ملاك الله جبرائيل لزكريّا في الهيكل، بولادةِ امرأتِه أليصابات ابنًا يُدعى يوحنّا، علامة على تحنّن الله ورأفتِه بهما، حتّى يزيل عنهما العار الّلاحق بهما أمامَ النّاس.

 

لم يَسِر يوحنّا على خُطى أبيه زكريا الكاهن، بل اعتزلَ حياةَ النّاس. واتّخذَ من برية يهوذا مَسكِنًا له ومُقامًا. وقامَ بدور تبشيري نبوي، إذ كان يُعدُّ طريقَ مَن هو آتٍ بَعده، ومَن هو ليس أهلًا لأن يفكَّ رباط حذائه. وبالرّغم من بُعد المسافة ووعورة المنطقة القاحلة، إلّا أنّ الجموع رأت فيه محلّ ثقة، أكثرَ من رؤسائهم، من كتبة وكهنة وفريسيين. فكانت تحجُّ إليه نزولًا من كلِّ حدب وصوب، لتقبل المعمودية عن يده في مياه الأردن.

 

كانَ هيرودس أنتيباس أميرًا للرُّبع. إذ كان حاكِمًا على الجليلِ شمالًا حتّى البحرِ الميت جنوبًا. وهي المساحة الّتي تضمُّ حوالي ربعَ بلادِ فلسطين. ثمّ أنّه كانَ متزوّجًا من ابنةِ الحارث الرّابع ملك الأنباط آنذاك. ولكنّه وقع في حُبِّ هيروديّا زوجة أخيه فيلبّس. فاتّفقَ الاثنان على الزّواج. فقام بتطليق زوجتِه الأولى، ليتّخذَ من هيروديّا زوجةً له. الأمر الّذي جعلَ يوحنّا يوبِّخُه بشدّةٍ، إذ لا يحلّ بأن يتّخِذَ زوجةَ أخيه امرأةً له. ما جعلَ هيروديّا ناقِمةً عليه. فيوحنّا كانَ حجرَ عثرة في طريقها الظّلامي، وصخرةَ سدٍّ وشوكةً مُدبّبة في حلقِها. لِذلِك سَعَت لقتلِهِ والتّخلص منه، حتّى يحلو لها فعل ما تشاء. إذ وَظَّفَت ابنتَها سالومي وسيلة رخيصة، لخدمة مصالِحها القَذِرة. أمّا هيرودس الغبي، فقادته تلك المرأة الزّائغة عن الحق، صوب الهلاك. فارتكبَ حماقة كُبرى وجريمة عُظمى، بِهَدرِهِ لدم رجل بارٍّ قدّيس، إرضاءً لهيروديّا، المدنَّسَة بالإثمِ الملطّخةِ بالباطِل.

 

وقف يوحّنا دون خوفٍ أو تردّد في وَجهِ الطّاغية هيرودس، وفي وجهِ الماكرة هيروديا. لم يُحابي يوحنا هيرودس لأنّه حاكِم، ولم يُجامِله على حِساب الحق، طمعًا في مكسبٍ خسيس. فدفعَ الثّمن مِن أجل موقفِه ذاك غاليًا، إذ سُفِكَ دمه النّقي، شهادةَ حقّ في وجهِ باطل.

 

وَقعت هذهِ الجريمةُ النّكراء، كما يروي المؤرّخ اليهودي الرّوماني يوسيفيوس فلافيوس، مِن تلك الفترة، سنة 29 للميلاد، في حِصن مكاور، الواقع إلى الجنوب الغربي من مدينة مادبا على بعد نحو ثلاثين كيلومتر. وقَد بناهُ القائد الاسكندر جانيوس، على قمّة تلٍّ مُشرفٍ على البحر الميت، لصد غزوات قبائل الصحراء الشرقية.

 

يروي التّقليد، أنَّ تلاميذَ يوحنّا أخذوا جُثمانَهُ، وَدَفنوه في مدينةِ سَبسطية، الواقِعة شمال غرب مدينة نابلس. وِمن هناك نشأَ عيد اليوم. فمنذ القرن الخامس، كانَ المسيحيّون يحتفلون بذكرى تأسيس كنيسةٍ دُشّنت في سبسطية، حيث وُضِعت رُفاتُه، وشُيّدت على اسم قطعِ رأسِ القدّيس يوحنّا المعمدان. ومنذُ القرنِ السّادس والسّابع للميلاد، انتشرَ الاحتِفالُ بهذا العيد، عندَ المسيحيين شرقًا وغربًا، إحياءً لذكرى استشهادِ المعمدانِ. فلتكن صلاته وشفاعته معنا.