موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
بالرغم من أن المسيحية صارت الديانة الرئيسية في مملكة أكسوم في القرن الرابع الميلادي، إلاَّ أننا نعرف أن المسيحية ربما تكون قد دخلت مبكرًا في القرن الأول، كما نقرأ في سفر أعمال الرسل 8: 26-40 عن "الخصيّ" وزير قنداقة، ملكة الحبشة (إثيوبيا)، الذي كان ذاهبًا إلى أورشليم ليُقدِّم العبادة لإله إسرائيل. وهناك تقابل مع فيلبس الشماس وتعمّد على يديه.
ويؤكد التقليد الإثيوبي بأن "الخصي" عاد إلى وطنه وبشَّر الشعب هناك بالمسيح. ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم في عظته لعيد الخمسين، إن الإثيوبيين كانوا حاضرين في المدينة المقدسة يوم الخمسين، حينما خرج الرسل يُبشّرون بالإنجيل. وأنّ القديس متى الرسول اختير لهذه المهمة أن يحمل الأخبار السارة إلى إثيوبيا، حيث نال هناك إكليل الشهادة.
ولكن المسيحية كانت -قبل فرومنتيوس- هي الديانة التي اعتنقها كثيرون من التجّار الآتين من الإمبراطورية الرومانية، والذين استقروا في مملكة أكسوم. وقد كان لهؤلاء التجّار المسيحيين في المدن الهامة مثل أكسوم وأدوليس أماكن للصلاة في البيوت حيث كانوا يُمارسون طقوس إيمانهم جهارًا. أما إدخال المسيحية لتكون ديانة الدولة في إثيوبيا، فقد تمَّت ليس نتيجة نشاط إرسالي من خارج البلاد، إنما كانت بناءً على رغبة الملك. وقد وصلت إلينا أخبار تحوّل أهل أكسوم في كتاب المؤرّخ المعاصر روفينوس (+ 410م).
وتسرد القصة بأنّ ميروبيوس، الفيلسوف المسيحي من صور الفنيقية (لبنان)، خرج ليزور الهند ورافقه شابان من أسرته: فرومنتيوس وآديسيوس، وغالبًا سلكوا طريق الرحلة المعتاد في ذلك الوقت من خلال ساحل أفريقيا على البحر الأحمر. وأثناء رحلتهم نقص ما كان معهم من إمدادات، فتوقّفوا عند ميناء على الساحل الأفريقي. وفي ذلك الوقت كان أهالي أفريقيا يحملون عداءً للمواطنين الرومانيين، فقتلوا الفيلسوف ميروبيوس وكل ركّاب السفينة (يقول تقليد آخر إنهم غرقوا في السفن)، ولم ينجُ إلا الشابان فرومنتيوس وآديسيوس، اللذان أخذوهما إلى الملك كهديّة له. وفي الحال نالا اهتمام وثقة الملك.
كلَّف الملك الأخ الأصغر آديسيوس أن يكون "حامل الكأس"؛ أما الأكبر فرومنتيوس فقد أظهر علامات الحكمة والذكاء، فصار كاتم سرّ الملك وأمين الدولة. ثم مات الملك مُبكرًا تاركًا زوجته مع طفله الصغير، كوارثٍ للعرش من بعد الملك. وقد أعطى هذا الملك للشابين التصريح بالعودة إلى وطنهما إنْ أرادا، ولكن الملكة الأم -التي صارت الوصي على العرش- فقد توسَّلت إليهما أن يبقيا ليُساعداها في سياسة المملكة إلى أن يشبَّ ابنها ويصير الملك. ووافق الشاب الأكبر فرومنتيوس، وبقي ليكمل مهمته بكل أمانة.
بدأ تفكير فرومنتيوس يتّجه نحو إيمانه المسيحي، فأخذ يبحث عن المسيحيين من التجّار الرومانيين المُقيمين في أكسوم، وشجّعهم على أن يؤسِّسوا أماكن للعبادة العلنيّة والصلاة. وهكذا بدأ يُقدِّم لهم المعونة بكل الطرق الممكنة، مقدّمًا لهم التسهيلات والمنافع، وبالتدريج انتشرت بذار المسيحية بين الشعب الإثيوبي. وحتى الملك الشاب نفسه آمن بالمسيحية. وبعد أن بلغ من العمر ما يُمكّنه من أن يستلم عرش المملكة ويُديرها بنفسه، سأله فرومنتيوس وآديسيوس أن يمنحهما التصريح بمغادرة أكسوم.
وبينما عاد الأصغر آديسيوس إلى وطنه في صور بسورية، توجّه الأكبر فرومنتيوس إلى الإسكندرية، وعرض القصة كلها على أسقف الإسكندرية القديس أثناسيوس الكبير، حوالي عام 347، راجيًا منه أن يُرسل أسقفًا إلى إثيوبيا ليرعى احتياجات الكنيسة المسيحية الوليدة في أكسوم. واستدعى البابا أثناسيوس مجمع الأساقفة ليتدبّر وإياهم الأمر. وتم الاتفاق على أن يكون فرومنتيوس نفسه هو المرشح للتكرس أسقفًا لأكسوم.
وهكذا عاد الأسقف الجديد فرومنتيوس ليكرز في المملكة التي يعرفها جيدًا، فيما أطلق عليه الناس الأوائل الذين آمنوا بالمسيح "أبونا سلامة" أو "كاساتي بيرهان"، أي "أب السلام" و"المبشّر بالنور"، وهي ألقاب ما تزال يلقّب بها رئيس الكنيسة الإثيوبية حتى اليوم. رقد بالرّب حوالي عام 383.
تحتفل الكنيسة الأرثوذكسيّة الأثيوبية بعيده في 27 كانون الأول ديسمبر، أما الكنيسة الكاثوليكية ففي 27 تشرين الأول اكتوبر، أما الكنيسة الأرثوذكسيّة الشرقية في 30 تشرين الثاني نوفمبر، والكنيسة القبطية الأرثوذكسيّة في 18 كانون الأول ديسمبر.