موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١ أغسطس / آب ٢٠٢٠
1 آب: عيد القديس ألفونس دي ليغوري، شفيع معلمي اللاهوت الأخلاقي (الأدبي)

إعداد الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني :

 

ولد ألفونس ماري دو ليغوري عام 1696 في مدينة نابولي من عائلة نبيلة وغنيّة. وكان ينعم بمواهب عديدة، إذ نال شهادة "بروفسور" في القانون المدنيّ والكنسيّ وهو ما زال في السادسة عشرة من عمره. كان من أشدّ المحامين براعة، وقد سجَّل نجاحاتٍ باهرة طوال ثماني سنوات في جميع مرافعاته. لكنّه بفضل عطشه إلى الله وتوقه إلى الكمال، أدرك بنعمةٍ من الربِّ أنَّ النّداءَ الذي يضجّ في قلبه ينطوي على رسالة هامّة جدًّا.

 

وبالفعل، ففي العام 1723، ومع رفضه للظّلم والفساد اللَّذين أثقلا كاهل الوسط القضائيّ يومها، تخلَّى عن مهنة المحاماة، وعن ثروة أهله والنّجاحات الباهرة، وقرَّر الإنخراط في سلك الكهنوت رغم معارضة أبيه. فتتلمذ على معلّمين متميِّزين درَّبوه على أصولِ دراسة الكتاب المقدَّس وتاريخ الكنيسة وعِلمِ الحياة الرّوحيّة. وإكتسب بذلك ثقافةً لاهوتيّة واسعة أفادته في كتابة مؤلّفات عديدة. سيمَ كاهنًا سنة 1726 وإنضمَّ إلى الجمعيّة الأبرشيّة للنّشاطات الرّسوليّة للقيام بخدمته الكهنوتيّة.

 

بدأَ ألفونس رسالته في بشارة الإنجيل ناشرًا المبادىء المسيحيَّة بين الفقراء من أبناء نابولي المهمَّشين، وكان يتوق لحمل البشارة إليهم، فناضل كي يعلِّمهم حقائق الإيمان الأساسيَّة، وكان من عادة معظمهم الإستسلام إلى الرّذائل وأعمال الإجرام. فراح يعلِّمهم الصّلاة، ويشجِّعهم على تحسين طريقة عيشهم، فحقّق نتائج باهرة. وتكثَّفت الإجتماعات المسائيَّة، في الأحياء الفقيرة، وفي المنازل والمتاجر، للصّلاة والتأمُّل في كلمة الله، مستعينًا ببعض الكهنة وأساتذة التّعليم المسيحيّ الذين تدرَّبوا على يده، فراحوا يزورون جماعات المؤمنين بانتظام. فسمَّى هذه المبادرة "كنيسة المساء" التي أصبحت مصدرًا حقيقيًّا للتّربية الأخلاقيّة والتّهذيب الإجتماعيّ، والتّعاون بين الفقراء، وابتعد النّاس عن السّرقات.

 

في سنِّ الخامسة والثّلاثين فكَّر ألفونس بالإنطلاق لتبشير الملحدين من النّاس، فإتَّصل بالمزارعين والرّعاة في أرياف نابولي. وفوجىء بجهلِهم للقضايا الدينيَّة، وحال التّهميش التي يعانون منها، فقرَّر ترك المدينة ليخدُمَ المهمَّشين روحيًّا وماديًّا.

 

أسَّسَ في العام 1732 "رهبنة الفادي الأقدس" وأسندها إلى رعاية المطران توماسو فالكويا وقد خلفه فيما بعد على رئاستها. أمّا المكرَّسون الذين رافقهم ألفونس فكانوا مرسلين متجوّلين وصادقين، يقصدون القرى البعيدة مركزًا لرسالتهم، داعين إلى الإهتداء بالصّلاة والثّبات في الحياة المسيحيَّة. وحتّى أيّامنا هذه فإنَّ مرسلي الفادي الأقدس ينتشرون في العديد من بلدان العالم، مواصلين بشارة الإنجيل بشتَّى الوسائل.

 

في العام 1762 عُيِّنَ ألفونس أُسقفًا على "سانت أغاتا دو غوتي" تقديرًا لمحبَّته وغيرته الرّاعويّة، لكنَّه، إثر مرضٍ أصابه، إستقال، بإذن من البابا بيوس السادس، من هذه الخدمة سنة 1775. توفِّيَ عام 1787، فما كان من البابا إلاّ أن هتف: "لقد كان قدّيسًا"، لم يكن البابا مخطئًا بذلك فلقد أعلنت الكنيسة قداسة ألفونس سنة 1839، وسُمِّيَ معلِّمًا للكنيسة سنة 1871. وقد تطابق هذا اللّقب مع شخصه لأسباب عدَّة: أوَّلاً، لأنّه وضع تعليمًا مكثّفًا للاهوت الأدبيّ، يُعبِّر فيه عن العقيدة الكاثوليكيَّة، لدرجة أنَّ البابا بيوس الثاني عشر أعلنه "شفيع المعرِّفين واللاّهوتيّين الأدبيّين".