موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٩ يوليو / تموز ٢٠١٨
’إدارة الممتلكات الكنسية‘.. كتاب جديد للأب د. ريمون جرجس

بيروت – أبونا :

صدر حديثًا عن منشورات جامعة الحكمة اللبنانية، كتاب جديد للأب الدكتور ريمون جرجس الفرنسسكاني، المتخصص في القانون الكنسي، ويحمل عنوان: "إدارة الممتلكات الكنسية بحسب شرع الكنيسة الكاثوليكية (مع مراعاة القانون المدني في سوريا، لبنان، الأردن ومصر).

والمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، وموقع أبونا الإلكتروني، فيما يهنئ الأخ والصديق الأب جرجس على هذا الانجاز الجديد الذي يضاف إلى سلسلة مؤلفاته حول القانون الكنسي، فإنه يسرّه أن ينشر الخاتمة التي كتبها الأب جرجس للكتاب الحالي:

يعلن اللاهوت الإكلسيولوجي في المجمع الفاتيكانيّ الثَّانيّ أنَّ الكنيسة، واقعة إنسانيّة وإجتماعيّة، فهي تعيش ضمن ظروفها الماديّة. لا يمكنها أن لا تستفيد من "الموارد البشرية"، فهي تعيش وتعمل في هذا العالم: "لا شك في أنَّ الأمور الأرضية والأمور التي في وضع البشر تفوق هذا العالم، يرتبط بعضها ببعض ارتباطاً شديداً، والكنيسة نفسها تستعمل الوسائل الزمنيَّة بمقدار ما تتطلبها رسالتها الخاصّة". ويؤكّد أنَّ الكنيسة "مجتمع مجهّز باعضاء ذوي السلطات، جسدي المسيح السرّيّ، الجماعة المنظورة والشركة الروحيَّة، كنيسة الأرض والكنيسة الغنيّة بنعم السماء، يجب ألا يُعدّ حقّيقتين، بل هو حقّيقة واحدة مركبة، ذات عنصرين بشريّ وإلهيّ". والرسالة الخاصّة التي أوكّلها المسيح إلى كنيسته هي رسالة إنسانيَّة روحيَّة ودينيَّة، ليس لها هدف سياسيّ أو إقتصاديّ أو إجتماعي؛ إنَّما هدف دينيّ. ويتم توظيف هذه الرسالة في خدمة الجماعات البشرية، حسب الظروف والأوضاع الزمنيَّة والمكانيَّة، لا سيما من خلال أعمال الرحمة وما شاكلها. فالعلاقة بين الممتلكات الزمنيَّة مع طبيعة رسالة الكنيسة أساسيَّة: التبشير بالكلمة، الشهادة للمحبَّة، تقديس الناس في المكان والزمان. وتنظر الكنيسة إلى الممتلكات الزمنيَّة على أنّها ممتلكات خلقها الله، خُصصت للبشريَّة، كوسيلة لتحقّيق دعوتهم حسب مخططته. "فهي تبقى حسنة، حتى بعد خطيئة الإنسان، فهي تشارك عواقب الخطيئة، وتستمر أن تكون تحت تأثير خطيئة الإنسان، وتُعدّ خطيرة اذا لم يستطيع الناس استخدامها لأهداف أرادها الله". فالممتلكات الكنسيَّة هي مجموعة من الموارد الماليّ واقتصاديَّة ضروريَّة لرسالة الكنيسة. وتستخدم الكنيسة ممتلكاتها ضمن معايير حياة المسيحيّين الأوائل كما ذُكرت في أعمال الرسل (أع 2: 42-45). في هذا المقطع ندرك العناصر الأساسيَّة المختلفة من الشَركة الكنسيَّة: إعلان الإيمان والتعمّق فيه، الليتورجيَّة الأسراريَّة وحياة الصلاة (الليتورجيَّة)، وأيضا خدمة المحتاجين. وكلُّ هذه الأعمال تسمح لنا بالتحدّث عن الشَركة (كوينونيا). فإذا نقصت إحدى هذه العناصر، لا يمكن الحديث عن ملء الحياة الكنسيَّة. فمن دون الليتورجيَّة، تكون الكنيسة مجرّد جمعيَّة خيريّة؛ ومن دون الخدمة تكون مجموعة من الناس مكرَّسة للخلاص بطريقة فرديّة، ومن دون العقيدة تكون مجرّد حماس أو انفعال، من شأنها أن تفتقد مرساة الحقيقة، الضروريَّة للإيمان المسيحيّ.

هذه الحقّائق لها تأثير في إعداد القوانين الكنسيّة المتعلِّقة بالممتلكات الكنسيَّة: صورة الكنيسة كشعب الله توضِّح المسؤوليَّة المشترَكة من قِبَلِ جميع المؤمنين، المتّحدين بروابط المحبَّة والشراكة، برسالة الكنيسة. في هذا السياق، يستحقّ الذكر القانون اللاتينيّ 225 البند 2 الذي يحتوي على التزام العلمانيّين:"كما إنّهم ملزمون، كلّ بحسب حالته الخاصّة، بأن يتعاطوا مع أمورهم الزمنيَّة بروح الإنجيل المقدّس لتكتمل به، فيشهدوا بذلك للمسيح، لا سيّما في إدارتهم لهذه الأمور، وفي القيام بأعبائهم الدنيويّة". إنَّه واجب العلمانيّين، لكنَّه ليس محصورًا بهم، فإنَّ "جميع أعضاء الكنيسة هم مشتركون في هذا البعد العلمانيّ"، بأشكال مختلفة.

يوصي نصّ القانون اللاتينيّ 282 بطريقة عامَّة جداً، العيش حياة بسيطة:"ليسلك الإكليريكيون حياة بسيطة، وليمتنعوا عن كل ما تُشتم منه رائحة الزهو الباطل. البند 2- أما الممتلكات، التي يحصلون عليها بمناسبة ممارستهم لوظيفة كنسيّة، والتي تفيض عن تأمين معيشة كريمة لهم وإتمام كل واجباتهم الخاصّة، فليستخدموها لخير الكنيسة ولأعمال الرحمة". هذه الصيغة تهدف على الأرجح، التأكيد على المسؤوليَّة الشَّخصيّة لكل إكليريكي تنفيذ الالتزام بشكل ملموس وفقا لروحانية خاصّة. وينبغي أن يوضع في الاعتبار أن بساطة الحياة تتحقّق بطرق مختلفة حسب الحالات التاريخيّة يعيشها الشَّخص. نحن أمام توصية اسلوب حياة بسيطة وليس أمام واجب قانونيّ للفقر المادي، وموضوع القانون ليس استبعاد حيازة الممتلكات المادية، بل يجب استخدامها لخير الكنيسة والأعمال الخيرية.

قال البابا يوحنَّا بولس الثاني: "من بين مطاليب التخلّي التي أعلنها السيّد المسيح لتلاميذه، واحدة تتعلّق بالممتلكات الأرضيّة، وبخاصّة الغنى. طلبٌ موجَّه إلى جميع المسيحيّين يتعلّق بروح الفقر، وهذا هو الانفصال الداخليّ عن الممتلكات الأرضية، إنفصال يجعلنا أسخياء في التقاسم مع الآخرين. وجّه البابا فرانسيس في عظته بتاريخ 15 كانون الأول 2015 في كنيسة القديسة مرتا كلمة إلى جميع المسيحيّين كي يستعملوا بشكل سليم الممتلكات، وأن يعيشوا روح الفقر: "لا لكنيسة تعيش متعلّقة بالمال، تفكّر في المال، تفكر كيف تكسب المال". "أريد كنيسة فقيرة للفقراء". الفقر هو الانفصال عن المال لخدمة المحتاجين، لخدمة الآخرين. الفقر، تلك الفضيلة التي تُمثّل أهم ركائز الحياة الإنجيليَّة، يجب أن يعتنقها كلّ مسيحيّ بدافع الحبّ، أُسوةً بالمسيح الذي "افتقر لأجلنا، و هو الغني، لكي نغتني بفقره" (2 كور 8: 9). فإنَّ كسَر الخبز ليس فقط على المائدة المقدسة، بل على تلك المائدة الأخوية الأخرى حيث يُكسر الخبز اليومي ويُدعى إليه البائس والجائع واليتيم. مثل هذا الجوع لا يداوى بالكلام والموعظة الحسنة. "من كانت له خيرات هذه الدنيا، يقول يوجنا الرسول، ورأى بأخيه حاجة فأغلق أحشاءه دون أخيه، فكيف تقيم محبة الله فيه" (1 يو 3: 17، 18).

الفقر هو إلتزام حياة مستوحاة من الإيمان بالمسيح ومن المحبَّة له. هو روح، الذي يتطلّب ممارسة أيضاً، بشكل التخلي عن الممتلكات حسب حالة كلّ شخص سواء في الحياة المدنيّة، أم في الحالة يوجد فيها الشَّخص في الكنيسة بحكم الدعوة المسيحيّة، كفرد وعضو في فئة معينة من الأشخاصّ. روح الفقر له فعاليَّة للجميع؛ ممارسة الفقر ضروريَّة لكلّ شخص ما يتناسب مع الإنجيل". "يجب أن نتذكر أنَّ الإنجيل يتطلب منَّا الإدراك أنَّ الممتلكات تخدم لإقامة وتعزيز الشَركة والحياة اعتماداً على الأب السماويّ، ممارسة الحرّيَّة في مواجهة ما لدينا والحكمة في استعمال ما نقوم به. يدعونا الإنجيل أيضاً بوضوح إلى الإستخدام المجانيّ للممتلكات والسخاء من دون مقياس في المشاركة بها. بكلمة، علينا أن نبدأ من الإنجيل كي نصل إلى استعمال ممتلكاتنا وإدارتها بروحانيَّة قويَّة. نجد في الإنجيل معايير لإدارة الجيدة لممتلكاتنا؛ دون أن ننسى أنَّ الإدارة الجيدة يجب أن تهدف إلى تحسين الإيرادات ولإدارة منظّمة وشفافة".

إتّخذ موضوع "الممتلكات الزمنيَّة الكنسيَّة"، في العقود الأخيرة، مكانةً خاصّة للغاية في فكر الكنيسة الكاثوليكيَّة، سواء من وجهة النظر التعليميَّة أو من وجهة النظر التشريعيّة. فأكّدت دائماً أنَّها تمتلك هيكليَّة مرئيَّة ظاهريَّة واجتماعيَّة ذات حقّ إلهيّ كي تحقّق عمل الله الخلاصيّ بكلّ الوسائل المتاحة وإن كانت اقتصاديَّة. فدافعت عن حقّها في امتلاك الممتلكات الزمنيَّة وإدارتها. فالممتلكات الزمنيَّة لها قيمة أداتيَّة في حياة الكنيسة، وعملية الإدارة الماليَّة هي مجموعة أنشطة تهدف تنظيم الرأس المال المتعلق بالأهداف. فالكنيسة تمتلك وتدير الممتلكات الزمنيَّة فقط لأنها وسائل لتحقّيق الأهداف التي تتعلق برسالتها. وتحقّيق هذه الأهداف يبرر اهتمام الكنيسة الخاصّ للإدارة السليمة للأملاكها. لذلك، تشعر الكنيسة بالمسؤوليَّة الإهتمام بأن تكون إدارة مواردها الماليَّة دائماً في خدمة أهدافها. فرسالتها ليست بتراكم الممتلكات إنَّما هي الخدمة. وتترتّب على ذلك، الصعوبة الموضوعيّة في إدارة الممتلكات التي تستطيع أن تؤتي ثمارها لصالح رسالة الكنيسة من دون خيانة روح الإنجيل. فما تقوله الكنيسة حول التوجّه العامّ للمتلكات، والضرورة إلى رؤية أخلاقيَّة للاقتصاد، والمعيار الضروريّ للتضامن مع الفقراء ضحايا ظلم النظام السياسيّ والاقتصاديّ، يجب أن يكون له موضع واضح في عمل الكنيسة لكي تستطيع الحفاظ على مصداقيّتها أمام العالم. فالكنيسة تعي أنَّ إدارة ممتلكاتها مرتبطة بفهمها لعلاقة الأشياء مع الحقائق الزمنيَّة. فهي تستطيع أن "تصدر حُكمًا أخلاقيًّا في الشأن الاقتصاديّ والاجتماعيّ، عندما تقتضي ذلك حقوق الإنسان الأساسيَّة أو خلاص النفوس". فالكنيسة لا تقدّم حلولاً تقنيّة للمشاكل الاقتصاديَّة، بل تقدّم المبادئ الأخلاقيَّة التي يمكن أن تكون أساسًا للحلول التقنيّة؛ من أهمِّها المبادئ المتعلِّقة بالكرامة الإنسانيّة والصالح العامّ وحقوق الإنسان الأساسيَّة والتضامن والمشاركة في بناء نظام اقتصاديّ عادل. علاوة على ذلك، كي تفهم الكنيسة أهمّية تنظيم ممتلكاتها الزمنيَّة، على المستوى التقنيّ - العلميّ، يجب أن تأخذ في الاعتبار الجانب القانونيّ. فالجانب القانونيّ يحمي الممتلكات الزمنيَّة ويضمن حسن استخدامها وفقًا لأهداف تسعى لها الكنيسة في رسالتها لتحقيق العدالة. يجب أن تسود العدالة التي لها أساس الشرع الطبيعيّ أو الإلهيّ الإيجابيّ، على أساس معايير كفاءة اقتصاديَّة، أُتَّفقت عليها أنظمةُ الشرع الإنسانيّ.

ذكر البابا القدّيس يوحنَّا بولس الثاني أنّ الأولويّات التي تحدّدها سياسات الاستثمار يمكن أن تكون سببًا لزيادة الجوع في العالم. فقد تكون بعض الاستثمارات بشكل غير مباشر سبب وضع أعباء إضافيّة على الدول الفقيرة. فإذا كان الاستثمار يقوم على إقراض المال بفائدة مفرطة، فهو يُعتبر شكلاً من أشكال الرَّبا. والبابا بنديكتوس السادس عشر أقرَّ بضرورة تغيير الهيكليَّة في النشاط الاقتصاديّ، عندما أكّد في Caritas in veritate أنّ "العقيدة الاجتماعيَّة للكنيسة تعتقد أنّ العلاقات الإنسانيّة الأصليّة، من الصداقة والمؤانسة والتضامن والمعاملة بالمثل، يمكن أن تُعاش حتّى داخل النشاط الإقتصاديّ، وليس خارجًا عنه أو بَعْدَه وحسب"(رقم 36). وكرّر الحبر الرومانيّ فرنشيسكو في "فرح التبشير" هذه المفاهيم عندما قال إنّ الإسهام في تحقيق العدالة الاجتماعيَّة لجزءٍ من رسالة الكنيسة، ويتمّ على مستويين: التدخّل في إزالة أسباب هيكليَّة الفقر لصالح التنمية الشاملة للفقراء والتوفير بشكل مباشر، وبمحبَّة، لمواجهة المآسي الملموسة. إنّهما مستويان متكاملان ينتميان إلى معاني التضامن الإنجيليّة.

إنَّ الإدارة الماليَّة في الكنيسة، على الرغم من أنّها ليست بالحقل الوحيد، تتطلّب اهتمامًا خاصًّا، لأنّها تعاني من نقص الخبراء بين المدراء وتتطلّب تجدّدًا، سواء في الهيكليَّة القانونيّة أو في ذهنيّة الأشخاص المعنيّين. فالكنيسة لا تشكِّل حالة استثنائيّة في الشؤون الاقتصاديَّة في العالم، ولا يمكن طلب التساهل والتسامح أمام التشريع المدنيّ. فيجب أن تكون لدى السلطات الكنسيّة المختصّة كافّة والمدراء الكنسيّين، القدرة على مواكبة التغيّرات التي تحدث في المجتمع العلمانيّ، ولا سيّما بخصوص التشريعات المدنيّة. تعي الكنيسة مسؤوليّتها بإدارة ممتلكاتها الزمنيَّة، سواء على مستوى الكنيسة الجامعة أو الخاصّة أو داخل مؤسَّسات الحياة المكرَّسة، وتعتبرها من أهمِّ واجباتها. وإنّه من الضروريّ، أمام التعقيدات المتزايدة في العالم الاقتصاديّ-الإداريّ، أن تتعاون الكنيسة، من خلال مؤسَّساتها، مع الأشخاص المؤهّلين وذوي الخبرة الذين، بمساعدتهم وبمشورتهم الحكيمة، يستطيعون إدارة ممتلكات الكنيسة بعقلانيَّة أكثر وبإدارة حديثة. يرى البابا بنديكتوس السادس عشر أنّ طريقة إدارة الممتلكات هو "تحدٍّ كبير" للمؤمن المسيحيّ: "التحديّ الكبير الذي أمامنا، نشأ من مشاكل التنمية في عصر العولمة هذا والذي أصبح أكثر إلحاحًا بسبب الأزمة الاقتصاديَّة والماليَّة، هو برهان، إن على الصعيد الفكريّ أم السلوكيّات، أنَّه لا يمكن تجاهل المبادئ التقليديّة للأخلاق الاجتماعيّة كالشفافية والنزاهة والمسؤوليَّة أو إخفائها وحسب، بل هناك في العلاقات التجاريَّة، مبدأ المجانيّة ومنطق العطاء، كتعبير عن أخوّة تستطيع ويجب أن تجد مكانها في النشاط الاقتصاديّ الطبيعيّ. وهذا مطلب الإنسان في الوقت الحاضر، ولكن، هو أيضًا مطلب المنطق الاقتصاديّ. هو مطلب لوقت من المحبَّة والحقيقة".

نقرأ في الإرشاد الرسوليّ ما بعد السينودس، الكنيسة في الشرق الأوسط، للبابا بندكتس السادس عشر إلى البطاركة والأساقفة والإكليروس والأشخاصّ المكرّسين والمؤمنين العلمانيين حول الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة (رقم 44): "يعود للأساقفة تأمين إدارة رشيدة ونزيهة وشفافة للممتلكات الزمنيَّة للكنيسة، وفقا لمجموعة قوانين الكنائس الشَّرقيّة أو مجموعة الحقّ القانونيّ للكنيسة اللاتينيّة. وقد اعتبر آباء السينودس أنه من الضروري اعتماد التدقيق في الشؤون الماليَّة والممتلكات، بهدف تحاشي الالتباس بين الأملاك الشَّخصيّة وما هو ملك للكنيسة. يقول بولس الرسول إن خادم الله هو وكيل أسرار الله. "وكل ما يطلب من الوكلاء أن يكون كل واحدٍ منهم أمينًا" (1 كو4، 2). إنَّ الوكيل يدير ممتلكات ليست ملكا له، والتي، بحسب بولس الرسول، موجهة لاستعمال أسمى، أسرار الله (متى19، 28 - 30؛ 1بط 4، 10). وهذه الإدارة الأمينة والمتجردة التي أرادها الرُّهبان المؤسسون- الأعمدة الحقّيقيَّة للعديد من الكنائس الشَّرقيّة- ينبغي أن تخدم أولاً البشارة والمحبَّة. ليسهر الأساقفة كي يضمنوا للكهنة، معاونيهم الأوائل، معيشةً كريمة، لئلا يضيعوا في البحث عن الزمني، ويتمكنوا من تكريس ذاتهم لله ورسالتهم الراعويّة. أضف إلى ذلك أن من يساعد فقيراً، يربح السماء، يشدد القديس يعقوب على الاحترام الواجب للفقير، وعلى عظمة مكانه الحقّيقي في الجماعة ( 1، 9 - 11؛ 2، 1 ـ9). ولهذا فمن الضروري أن تصبح إدارة الممتلكات مكانا لإعلان فاعل لرسالة يسوع المحررة: "روح الرَّب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأنادي للأسرى بالحرّيَّة، وللعميان بعودة البصر إليهم، لأحرر المظلومين وأعلن الوقت الذي فيه يقبل الرَّب شعبه" (لوقا 4، 18 – 19). إن الوكيل الأمين هو الذي فهم أن الرَّب وحده هو اللؤلؤة الثمينة (متى 13، 45 - 46)، وهو وحده الكنز الحقّيقي (متى 6، 19 - 21؛ 13، 44). فليتمكن الأساقفة من إظهار ذلك بطريقةٍ مثاليةٍ للكهنة وللإكليريكيين وللمؤمنين! إلى ذلك ينبغي التصرف بممتلكات الكنيسة بطريقةٍ يجب أن تتوافق مع القوانين الكنسيَّة والترتيبات الحبريّة السارية المفعول".

الهدف من هذا الكتاب هو تقديم تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة اللاهوتيّ والتشريعيّ مع التمنّي بأن يكون شاملاً وفعّالاً، على أن يكون وسيلة ملموسة كي نفهم المسائل الاقتصاديَّة ونمارس إدارة الممتلكات الكنسيّة بشكل ينسجم مع روح الإنجيل أي الخدمة لله وحده لا غير "لا يمكن أن نخدم سيّدين: إمّا الله وإمّا المال" (متّى 6: 24). يقول قداسة البابا فرنسيس "إنَّ في المال ثمَّة روحِ الدنيويّة والغرور والكبرياء، من المحزن أن نحذف بيد ما نكتبه باليد الأخرى. الإنجيل هو الإنجيل! الله هو واحد!".