موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩
وا أسفاه!

حنا ميخائيل سلامة نعمان :

وَا أسَفَاهُ على عُبَّاد صَنَمِ المال الذين عليه يتَّكلون وفي سِواه لا يثقون.. فهو شُغلهم الشاغل ومحطّ تفكيرهم، بل وتأمُّلهِم!

وَا أسَفَاهُ على مَن يهدرون الأموال على سراب الدنيا الزائل بينما يَحْبِسون ما بحوزتهم من مواردَ وخيرات على مَن يبيت على الطَّوى، وعلى المريض الفقير، والأرملة المحتاجة، واليتيم اليائس وكلّ صاحب حاجة!

وَا أسَفَاهُ على مَن يَسْعَوْن للشهرة ويلهثون وراء المديح والتعظيم على أكتاف مَن عاكسهم الدهر مِن مشردين وفقراء ومرضى ومحتاجين ومساكين.. فلا يَبْسُطون لهم أيديهم ولا يقدمون لهم عوناً إن لم يكن ذلك مقروناً بكاميرات تُسجِّل، وأقلامٍ تُهلل وتُمَجِّد !

وَا أسَفَاهُ على فئةٍ تُنفقُ ما ائْتُمِنَت عليه من مالٍ ومعونةٍ وصدَقةٍ مُتجاهلة الغاية الرئيسية منها لدعم الأكثر حاجةً وعَوَزاً.. فتُجيِّرهُما دون وجه حق لغير المستحقين طمعاً بودِّهم وَنيْلاً لرضاهم!

وَا أسَفَاهُ على تلك الفئة التي تُقرِّب إليها أصحاب الجاه والمال والنفوذ، فتُشرِّع لهم قاعات الاستقبال وصالونات الجلوس وتَبسط أمامهم بسخاءٍ الموائد.. في حين تُوصِد الأبواب بوجه المُستغيث والملهوف، وتُشيح بوجوهها عابسةً عن الغريب المُحتاج، والجائع، والعريان، والعطشان!

وَا أسَفَاهُ على الذين تسبقهم أرجُلهم لزيارة أرباب النفوذ والجاه والمال بينما لا تعرف أرجُلهم مَساكِن مَن كشرت لهم الحياة عن أنيابها واسْودت أمامهم الآفاق، فلا يسهرون معهم ولا يقاسمونهم شجونهم ولا يمسحون دموعهم ولا يكلفون أنفسهم برسم الفرح والرجاء على قَسَماتِ وجوهِهم!

وَا أسَفَاهُ على الذين أخرسوا أصوات ضمائرهم فما عادوا يُنصِتون لتبكيتها فَقَست قلوبهم وتحجَّرت فإذا بهم يوقظون الفِتَن ويُشعِلون نار الفُرقة والانقسامات والنزاعات ويزرعون عن قصدٍ الزؤان بين القمح!

وَا أسَفَاهُ على أصحاب الوجوه المُقنَّعة، والألسِنَة الجاحدة.. مِمَن ترَاهم يستخفون بثوابت الإيمان إذا ما خلا لهم الجو في مجالسَ ولقاءاتٍ.. وغايتهم الفوز بثناء الجالسين ورضاهم!

وَا أسَفَاهُ على مَن ترتفع أصواتهم على المَلاءِ أنهم غافِرون مُسامحون لكل مَن يُخطئ إليهم، بينما بينهم مَن احتشد قلبه بالبغضاء والحقد!

وَا أسَفَاهُ على مَن يُمثِّلون فيُعلنون أنهم أصعدوا قلوبهم لله لتكون عند جلاله ولديه.. بينما قلوبهم خاوية مِن المحبة ولا تعرف سبيل المسامحة والرحمة!

وَا أسَفَاهُ على فئةٍ ترفع الأكُفَّ ليس طلباً لرحمة الله ولتقديم الشكر لِنِعَمِهِ ورجاءً بملكوتِه، لكن ترفعها تنشُد زيادة مواردها ومغانمها الأرضية لأنها متعلقة بالأرض وما عليها!

وَا أسَفَاهُ على زمنٍ تصامَمت فيه الآذان فما عادت تُطيق مُجرَّد لفت انتباهٍ أو كلمة توجيهٍ وإرشادٍ ونُّصحِ علَّها تَسْتبينَ الرُّشدَ... نعم وا أسَفاهُ!!