موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الجمعة، ٣ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
هل وباء كورونا عقاب من الله للبشرية؟... البطريرك ميشيل صبّاح يجيب

هل هذا الوباء عقاب؟... البطريرك ميشيل صبّاح يجيب :

 

قد يطرَح البعض هذا السؤال: هل هذا الوباء عقاب من الله للبشرية، لكثرة شرورها من حروب ومظالم ومجاعات وطائفيات وتمييز بين فقير وغني وما إلى ذلك؟

 

أولا، الوباء هو نتيجة طبيعية لمواقف بشرية، هو نتيجة لعلم الإنسان أو جهله. هو نتيجة لعلاقة الشعوب بعضها ببعض. وعلى الإنسان أن يواجهه بكل ما أوتيه من علم ومعرفة. ومع العلم، يواجهه المؤمن بالصلاة والابتهال إلى الله الصالح والقدير ومحب البشر. كذلك تصبح الشدة طريق عودة إلى الله سبحانه، ووسيلة لتنقية المؤمن لنفسه، وتقرُّبِه من الله خالقه، ومن جميع إخوته البشر. تصبح الشدة وسيلة لكي يجدد الإنسان محبته لله ولكل إخوته البشر.

 

ثانيا، كل شدة ليست حتما نتيجة خطيئة. لما سأل الرسل يسوع عن الأعمى منذ مولده (يوحنا ٩: ١-٤١): "رَابِي، مَن خَطِئَ أَهَذَا أَم وَالِدَاهُ، حَتَّى وُلِدَ أعمَى؟ أَجَابَ يَسُوع: لَا هَذَا خَطِئَ وَلَا وَالِدَاهُ" (الآية ٢). إذًا المرض لا يعني أن هناك خطيئة معينة وجاء الوباء عقابا لها.

 

الشدائد والأمراض والكوارث ناجمة عن نظام الطبيعة وعن مقدرة الإنسان أو عدم مقدرته للتعامل معها. أحيانًا يعلم ويتغلب بعلمه على قوى الطبيعة، وأحيانا علمه لا يكفيه، فيعرف أنه عليه أن يزيده، كما هو الحال في الوباء الذي نعاني منه في هذه الأيام.

 

ثالثا، علاقة الله بنا هي أولا علاقة حياة. لا يريد الله الموت للإنسان، ولا العقاب. ولهذا يقول الكتاب: "لَيسَ هَوَايَ أَن يَمُوتَ الشِّرّيرُ، بَل أَن يَرجِعَ عَن طَرِيقِهِ فَيَحيَا" (حزقيال ٣٣: ١١). وجاء في سفر الحكمة: "إنَّ الله لَم يَصنَعْ المـَوتَ، وَلَا يُسَرُّ بِهَلَاكِ الأحيَاءِ. فَإنّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ لِكَي يَكُونَ. وَإنَّ خَلَائِقَ العَالَمِ مُفِيدَةٌ وَلَيسَ فِيهَا سُمٌّ مُهلِكٌ. وَلَا مُلكَ لِمَثوَى الأموَاتِ عَلَى الأرضِ، لِأنَّ البِرَّ خَالِدٌ" (حكمة١: ١٣-١٥).

 

وجاء في إنجيل القديس متى إن الله "يُطلِعُ شَمسَهُ عَلَى الأشرَارِ وَالأخيَارِ، وَيُنزِلُ المـَطَرَ عَلَى الأبرَارِ وَالفُجَّارِ" (متى ٥: ٤٥).

 

علاقة الله بنا إذًا هي أساسًا علاقة رحمة وعدل، وصبر إلى أن نتوب ونكفِّر ونعوّض عن شر أسأنا به إلى أنفسنا أو إلى غيرنا.

 

هل هذا يعني أن الشرير في هذه الحياة لا ينال عقابه؟

 

الله حاضر في هذه الحياة بحبه ورحمته، وبعدله أيضًا. الله سبحانه يجازي كل إنسان بحسب أعماله. وكل عمل يحمل في ذاته جزاءه، عقابه أو ثوابه.

 

يبدو أحيانًا أن الشرير لا يناله عقاب. المستبدون والظالمون والفاسدون، حكّامًا أو أفرادًا... لا أحد ينجو من العقاب، لأن لا أحد ينجو من نفسه، من ضميره، ولا من عدالة الناس، ولا من عدالة الله، وفي هذه الحياة الأرضية نفسها. أحيانًا، يحل العقاب بمن يستحقه، ويراه غيره. وأحيانًا لا يعلم به إلا صاحبه، والله خالقه. الكل حاضر أمام صلاح الله، وعدالته.