موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٩ فبراير / شباط ٢٠١٨
هل صحيح أن كل الناس خير وبركة؟

حسني عايش :

أولاً: يرى ويدرك المسلمون والإسلاميون والإسلامويون أن أغلبية الشعب الأميركي هي الرافض الأول لأوامر ترامب التنفيذية ضد المسلمين: زيارةً، ولجوءاً، وهجرة إلى أميركا، وأن القضاء الأميركي يعطل هذه الأوامر، وأن الرهان على الشعب الأميركي والقضاء الأميركي في قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان الواضحة له، لا يخيب.

قارنوا بين أغلبية الشعب الأميركي والقضاء الأميركي وبين أغلبية اليهود في "إسرائيل" التي تغتصب أرض فلسطين وتشرد شعبها تجدوا أنه لا يشبههم في السكوت على قرارات ترامب سوى عامة المسلمين الذين لم ينبسوا ببنت شفة ضد هذه السياسة نحوهم، وكأن اتهامه لهم بالإرهاب صحيح وهم يعترفون به. لم يحدث اعتراض شعبي واحد في بلد مسلم على قرارات ترامب المذلة، وكأنه ليس لهم علاقة بالموضوع. ماذا لو لم تقم القاعدة بتفجيرات أيلول في أميركا في 11/9/2001 وداعش بإرهابها العالمي؟

الجواب: لكان الإسلام والمسلمون في أميركا وفي أوروبا –أيضًا- محبوبين ومطلوبين شعبياً واجتماعياً، ولا ألصقت صفة الاسلامي بالإرهاب. لم يتم وصف إرهاب بول بوت الكامبودي المدمر بالبوذي لأنه لم يخرج من كمبوديا، وإرهاب الجيش الجمهوري الإيرلندي بالكاثوليكي لأنه لم يخرج من بريطانيا. لكن القاعدة وداعش تشنان حرباً على العالم أجمع. وتنسبان ما تقومان به إلى الإسلام. وعليه أعجب من بعض الناس الذين يحاولون تغطية الشمس بالغربال بإنكار هذه النسبة.

كنا في سبعينيات القرن الماضي هناك: في أميركا وكان غيرنا بعدنا. كنا نرى إقبال الأميركيين على الإسلام وتقديرهم العظيم للمسلمين في كل مكان وعلى كل لسان. كانوا يقدمون كنائسهم لطلبة الجامعات المسلمين لإقامة شعائر عيدي الفطر والأضحى. ولكننا فقدنا أو كدنا هذه النعمة لولا نهوض الشرائح الإنسانية من الشعب الأميركي للمحافظة على سلامة الشعرة.

ترى كيف يفهم المسلم والإسلامي والإسلاموي ذلك؟ وكيف يفسر موقف الشعب الأميركي النبيل هذا؟ أتمنى قيام مراكز البحوث والدراسات بإجراء بحوث في العمق للعقل العربي أو المسلم لنفهم العقدة، أو نعرف المزيد عن هذا العقل القاصر الذي لم يرتفع بعد إلى مستوى الشعوب الأميركية والأوروبية التي تدافع عن حقوقه بعد كل الأذى أو الدم الذي أراقه في ساحاتها. هذا العقل المعادي للحرية وللديمقراطية العلمانية وحقوق الإنسان والفنون، العاجز ببنيته الثقافية البالية عن هضمها.

يقول جوردون دبليو أولبورث - أشهر علماء الاجتماع في القرن العشرين - في كتابه المشهور المطبوع عشرات المرات The Nature of Prejudice : لقد احتاج العالم إلى سنين من البحث والإصرار إلى بلايين الدولارات لاكتشاف سر الذرة، ولكنه يحتاج إلى استثمار أكبر من ذلك لمعرفة أسرار الطبيعة اللاعقلانية للإنسان".

وبالعودة إلى ترامب الذي يهز العالم ويربكه بقراراته المجنونة فنقول: إن مصيره واحد من أربعة مصائر وهي: الاغتيال على يد أميركي مستفز ربما يكون من حزبه ونرجو أن لا يقع؛ أو الاعتقال بثبوت تهمة العمالة لروسيا؛ أو الاستقالة لشدة ما يتعرض له من رفض وحصار شعبي؛ أو الصمود حتى نهاية فترته، وتتقاطع هذه المصادر مع المصادر الثلاثة التي تحدثت عنها روزا بروكس في مجلة فورين بوليسي في (30/1/2017 وفي الغد في 9/2/2017) وهي الانتظار حتى سنة 2020 حين تنتهي ولايته، أو المقاضاة والعزل، أو إعلان عجز الرئيس.

***

ما يزعجني كثيراً في هذا الوقت الذي ينتشر فيه الفساد والإفساد، وتنهار القيم ترديد كل من تتصل به أو تتواصل معه في شأن ما قوله: كل الناس خير وبركة، فأوقف القائل بالقول: لو كان كل الناس خيراً وبركة لما شهدت البلاد مشكلة، ولكان الجميع يعيشون في وئام والسلام وسعادة. كم كنت أتمنى لو كان بعضهم فقط خيراً وبركة.

***

لعل أسوأ مأساة يقع فيها الفرد أو الشعب الهزيمة في قضيته العادلة أي انتصار الباطل الكاسح على الحق الصريح الواضح.

(نقلا عن الغد الأردنية)