موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الثلاثاء، ٣ مارس / آذار ٢٠٢٠
هل تراجعت القناعة بحوارات الأديان؟
صحافية وكاتبة مختصة في شؤون حوارات الأديان

صحافية وكاتبة مختصة في شؤون حوارات الأديان

رلى السماعين :

 

نمر بمرحلة تباين الأفكار ووجهات النظر لدرجة الخلاف أحياناً كثيرة، الامر الذي بات يتطلب منا أن نتمسك بالحوار والتسامح وقبول الاخر تحت مظلة حوارات الاديان، أو حوارات بين أتباع الاديان، كسلاح وكثقافة. فالتعريف العام لحوارات الاديان هو تبادل المعلومات والقناعات بين أتباع الديانات المختلفة آخذين بعين الاعتبار الهدف الأسمى لهذه الحوارات وهو تعزيز الاحترام والتفاهم بينهم للوصول إلى وئام مجتمعي ومنها إلى التطور والتقدم في مجالات الحياة المختلفة.

 

فالحقيقة أن الدين الان يلعب دوراً كبيراً، كما أنه قد لعب تاريخياً، منذ بدء الخليقة، في التأثير على النواحي السياسية وليس فقط الاجتماعية والنفسية للبشر. يعبر الدين في كل بلدان العالم الدين عن الهوية الشخصية للفرد، حتى وإن كان «بلا دين» لبعض الدول، وهذا الامر لم يتغير في القرن الواحد والعشرون وفِي عصر العولمة.

 

لذا، الجهل في أهمية الحوارات بين أتباع الاديان أو تجاهل الحديث عنه ونشر التوعية على ضرورة الألمام به، يجعل أقلية هي التي تعي عمقه.

 

فالمصطلح ينطوي على شقين حوار وأديان. الحوار علم عميق وثري، لا يكشف ذاته بجلسة أو ندوة أو مؤتمر أو مجموعة منهم بالرغم من ثراء النقاش والمداخلات والمخرجات لهكذا مؤتمرات، ولكن الاهم الان على الحوار، في عصر المتغيرات والثورة التقنية والمعلوماتية وعصر تتشابك بها المصالح والمصائر العالمية أن يندرج ليصبح ممارسة عملية يومية، ومن ثم عُرف مجتمعي إلى أن نصل لتشريعات والقوانين لتنظمه وتوضحه وتفرضه.

 

إزاء هذا الواقع الكوني يبرز أهمية هذا الفن الراقي، الحوار الذي هو الوسيلة للوصول إلى تفاهم ووئام وإتزان مجتمعي. الهدف منه الاستماع ومن ثم المشاركة والاستفادة من المعلومات التي تطرح.

 

أما شق «الاديان» فهي الهوية، ومنها التعددية التي هي قوة وجمالية، وما نحتاجه هو إقرار الفرد بحدوده وإدراكه بأن لا أحد يمتلك الحقيقة والمعرفة كاملة.

 

فعندما يتعلق الامر بحوار الاديان على الأفراد المعنيين التحلي بصفات ضرورية منها طول البال، احترام الاخر، التواضع «الله يرفع المتواضعين» لان الهدف منه تعزيز الجوامع المشتركة بين الاديان المختلفة والتركيز على الانسانية التي تجمع البشر والبناء على هذه المشتركات الانسانية لنبذ ومحاربة الكراهية والشرذمة والتطرف.

 

فأهمية حوار الاديان هو بالزخم الكبير من المعلومات ووجهات النظر والعادات والتقاليد والأفكار المتنوعة المختلفة التي هي طريق للإبداع كما هو الوضع في أي تجمع فيه تنوع.

 

لا ننكر بأن الديانات لها تأثير نفسي وإجتماعي وسياسي على المجتمعات لذلك إن لم يكن الحوار بين أتباع الاديان هو الحل، فسيكون هو المشكلة. وكثيراً ما تتورط هذه المنظومة الدينية في انقسام وصراع بين الأفراد والجماعات في البلدان المختلفة.

 

أوروبا الان تعتمد كل الاعتماد على قضية الحوارات بين أتباع الاديان كالوسيلة إلى الوصول لمجتمعات متماسكة. فلماذا نهمل نحن مشروع هذا مقداره بدأنا به من التسعينيات وكان الاردن من طلائع دول المنطقة والعالم مدركاً حينها بأن المشهد السياسي في تحول إلى توتر ديني ليس عندنا ببيتنا الداخلي ولكن حولنا وهذا ما حدث ولا يزال يحدث. ولعل الحوارات بين أتباع الاديان هو ما نحتاجه لمواجهة فكر أسود شذ عن القاعدة الانسانية.

 

الحوار وحوارات ما بين أتباع الاديان مسؤولية؛ وهي مسؤولية الأقوياء بمواقفهم الثابتة، بإيمانهم الراسخ، وبقلوبهم المحب للانسانية.

 

لا نتحاور لنتشابه، بل لنتعارف ولنتقارب وكي نخرج من قوقعتنا ونغير نظرتنا الاصطفائية ونوسع مدارك معلوماتنا في جو راقٍ من الشفافية يحافظ كل الأطراف فيها على هويتهم.

 

حقيقة لا بد من إدراكها بأن لا نمو لمجتمعات أو تطور لها دون حوار، وبالذات حوارات الاديان لانها وببساطة السبيل الوحيد إلى الوئام في عصر إشتد به التعصب والتفرقة والغضب.

 

ولان المصطلح الذي يتبع حوارات الاديان هو «العيش المشترك» أو «التعايش المشترك» فأن الأخير يعني بأن أفراداً ينتمون إلى مجموعات مختلفة يعيشوا جنباً إلى جنب مع بعضهم البعض. ولكن ليس بالضرورة أن يتفاعلوا بطريقة مفيدة مع بعضهم. وهذا ما يحدث الان في الغرب. الغرب والمهجرين متعايشين مع بعضهم البعض دون تفاعل إيجابي، بل على العكس يتعامل الغرب بمخاوف وقلق وتوتر مع هؤلاء المهاجرين وبالذات السوريين والعراقيين.

 

وهنا يبرز أهمية الاردن في تنوع نسيجه، وفِي المحافظة على هذا الارث العميق العريق فالحياة التشاركية الطبيعية الاردنية هي حالة تفاعلية إيجابية يعيشها الاردنيون، المسيحيون والمسلمون، مشتركون بالافراح والأعياد كما في الآلام والأوجاع، ولذلك إبراز الاردن كمثال مميز للعالم، في مجالات كثيرة وبالذات في هذا المضمار الذي انفردنا به وتميزنا به ونفتخر به، يعود علينا بنتائج إيجابية كبيرة سياسية وثقافية وإقتصادية، وهي إستراتجية تستحق الاهتمام بأن تكون ممنهجة ويتم تعزيزها.

 

(الدستور الأردنية)