موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٥ مايو / أيار ٢٠١٩
هل إسرائيل فوق المساءلة؟

محمد السماك :

عندما قامت إسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري على طول الضفة الغربية قررت الجمعية العامة للكنائس (المشيخية – الإنجيلية) في الولايات المتحدة سحب استثماراتها من إسرائيل، والتي تقدر بعدة مليارات من الدولارات. يومها بُرِّر القرار بأنه تعبير عن الاحتجاج على انتهاك الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني.

رد «اللوبي» الصهيوني في الولايات المتحدة بشنّ حملة تشهير واسعة النطاق ضد هذه الكنيسة التي تعتبر واحدة من كبريات الكنائس الإنجيلية الأميركية، وهي التي سبق لها أن أسست الجامعة الأميركية في كل من بيروت والقاهرة وأنقرة. مع ذلك بادرت كنيسة إنجيلية أخرى هي كنيسة المسيح الأولى باتخاذ قرار مماثل بسحب استثماراتها وودائعها المالية من إسرائيل أيضاً احتجاجاً على بناء مستوطنات يهودية فوق أنقاض قرى فلسطينية.

ورغم أن أياً من الكنيستين الأميركيتين لم يتلقَ أي رد فعل ودّي من أي مرجعية إسلامية، فقد تمسكت الكنيستان بقراريهما اللذين لا يزالان ساريين حتى اليوم.

ولكن إلى متى؟ يفرض هذا السؤال ذاته في ضوء الهجمة المعاكسة التي ينظمها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. لا تقتصر هذه الهجمة على التشهير الإعلامي فقط، ولكنها تتجاوز ذلك إلى العمل على وضع تشريعات جديدة تعتبر مقاطعة إسرائيل جريمة يعاقب عليها القانون.

ولقد أقرت حتى الآن 24 ولاية أميركية قوانين جديدة تنص على معاقبة كل من يدعو إلى مقاطعة إسرائيل، أو يدعو إلى سحب الاستثمارات منها أو يحرّض لفرض عقوبات عليها.

وهناك 12 ولاية أخرى تقوم الآن بدراسة مقترحات مماثلة لإصدار قوانين بشأنها، مما قد يرفع عدد الولايات التي تحظر أي عمل أو مجرد دعوة لمقاطعة إسرائيل إلى 36 ولاية. والحبل على الجرار..

أكثر من ذلك هناك مشروع قانون اتحادي يقوم بإعداده عدد من أعضاء الكونجرس الأميركي من الحزبين «الجمهوري» و«الديموقراطي» (يبلغ عددهم 57 عضواً من مجلس الشيوخ و290 عضواً من مجلس النواب) وينص المشروع على «تجريم» العمل على، أو الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل في الولايات المتحدة.. حتى ولو كانت الدعوة صادرة من الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن هذا المشروع يمس بحرية الرأي والتعبير والتي تعتبر واحدة من الحريات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الأميركي، فإن الأكثرية في المجلسين تبدو متحمسة لإقراره.

غير أن السيناتور «الجمهوري» تشاك شومر الذي يقود هذه الحملة، وصف أمام «إيباك» (اللجنة الأميركية الإسرائيلية للعلاقات العامة وهي أقوى لوبي سياسي في الولايات المتحدة) وصف الداعين إلى المقاطعة باللاسامية، وقال إنه بموجب هذه «التهمة» فإنهم يخرقون القانون الأميركي، وبالتالي يستحقون الإدانة والعقاب.

أما كيف تكون الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني عملاً لاسامياً فإن السيناتور «شومر» يبرر ذلك بقوله إن لإسرائيل الحق في التصرف بما تراه مناسباً لخدمة مصالحها القومية. والتعرض لإسرائيل بالمقاطعة وسحب الاستثمارات منها هو تدخل في شؤونها الداخلية وهو أمر ليس مرفوضاً فقط، ولكنه عنصري ولا سامي أيضاً!.

من هنا السؤال: لو قامت حركة تضامن عربي – إسلامي – دولي مع مبادرة الكنيستين الأميركيتين، هل كانت الحركة المعاكسة التي يقودها اليوم السيناتور «شومر» قد وصلت إلى ما وصلت إليه؟

لقد انطلقت في بعض الجامعات الأميركية حركة متعاطفة مع الفلسطينيين المغلوبين على أمرهم في غزة والضفة الغربية وفي المخيمات المنتشرة في بعض الدول العربية. ورغم الطابع الإنساني لهذه الحركة فقد اتُهم القائمون عليها باللاسامية أيضاً، لمجرد انتقاد قرارات الحكومة الإسرائيلية. وهي قرارات ينتقدها بشدة أيضاً حتى بعض الإسرائيليين، وكثير من اليهود غير الإسرائيليين لما تتسم به من عنصرية.

ومن الواضح أنه نظراً لارتفاع الأصوات المعارضة للسياسة الإسرائيلية خاصة بعد إصدار قانون الهوية الدينية لإسرائيل، فإن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لم يجد وسيلة أفضل للدفاع عن إسرائيل سوى إصدار قوانين تجرّم إدانتها وتدين الدعوة إلى مقاطعتها.

لقد اهتزت ركائز حزب العمال في بريطانيا تحت ضربات حملة تشهير يتعرض لها الحزب رداً على مواقف لبعض أعضائه وصفت بأنها ضد اللاسامية، وهي لم تكن في الواقع سوى مواقف انتقادية للسياسة الإسرائيلية.. ومن شأن ذلك أن يكرّس قاعدة جديدة في السياسة الدولية تقوم على أساس اعتبار أي انتقاد لإسرائيل عملاً عنصرياً لاسامياً. وهو تطور من شأنه أن يضع إسرائيل فوق المساءلة والمحاسبة !؟

(الاتحاد الإماراتية)