موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٥ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨
نُصرة القدس

فادي ضو :

دعا مؤتمرُ الأزهر الشريف العالمي لنصرة القدس، الذي انعقد في القاهرة في 17 و18 كانون الثاني/يناير 2018، بمشاركة لافتة من شخصيّات سياسيّة ودينيّة رفيعة المستوى من المسلمين والمسيحيين واليهود، كل الشُّعوب، إلى اعتبار عام 2018 عامًا للقدس الشريف.

وجاء في البيان الختامي للمؤتمر، الذي تلاه إمام الأزهر الشَّيخ أحمد الطيّب: “القدس ليست فقط مُجرَّد أرض محتلَّة، أو قضيَّة وطنيَّة فلسطينيَّة، أو قضيَّة قوميَّة عربيَّة، بل هي أكبر من كل ذلك، فهي حَرَم إسلاميٌّ مسيحيٌّ مقدَّس، وقضيَّة عقديَّة إسلاميَّة-مسيحيَّة، وإن المسلمين والمسيحيين وهم يعملون على تحريرها من الاغتصاب الصِّهيوني الغاشم، فإنما يهدفون إلى تأكيد قداستها، ودفع المجتمع الإنساني إلى تخليصها من الاحتلال الصِّهيوني”.

وفي رسالة وجّهها إلى شيخ الأزهر، بمناسبة انعقاد المؤتمر، دعا البابا فرنسيس إلى احترام طبيعة القدس الخاصة، التي تتخطّى المسائل الجغرافيّة. لهذا، شدّد رأس الكنيسة الكاثوليكيَّة على أنّه لا يُحافِظ على هُوِيّة المدينة ودعوتِها الفريدة كأرض للسَّلام، وعلى قيمتها الكونيَّة كمصدر للمصالحة والرَّجاء في المنطقة، إلّا نظامٌ خاصٌّ تَضْمنه المجموعة الدَّوليّة.

كان لافتًا الاهتمام الشعبي في المؤتمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فلقد حقّق الوسم الذي أطلقته اللجنة المنظِّمة للمؤتمر (#الأزهر_لنصرة_القدس) عبر منصّات مواقع التَّواصل الاجتماعي أكثر من نصف مليار مشاهدة، ترافَق ذلك مع العديد من المواقف الدوليّة الداعمة للقضيّة. وكان قد صدر في 21 كانون الأول/ديسمبر 2017 قرار عن الجمعيَّة العامَّة للأمم المتَّحدة (A/ES-10/L.22)، بأغلبيَّة 128 دولة، ومعارضة 9، وامتناع 35 عن التَّصويت، يؤكد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وأنّ أي قرارات وإجراءات تهدف إلى تغيير طابع مدينة القدس الشريف، أو مركزها أو تركيبتها الديمغرافيَّة، ليس لها أي أثر قانوني، وأنها لاغية وباطلة. ويُؤكد القرار أيضًا أنّ الأمم المتحدة “تضع في اعتبارها المركز الخاص الذي تتمتع به مدينة القدس الشريف، ولا سيَّما الحاجة إلى حماية البعد الروحي والديني والثقافي الفريد للمدينة والحفاظ عليه، على النحو المتوَخَّى في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة”.

قداسة القدس لا ترتبط بالتراث الديني والعمراني اليهودي والمسيحي والإسلامي وحسْب، إنّها قيمة كونيّة وصَوت صارخ في ضمير الإنسانيّة؛ لأنّه في القدس فَدى اللهُ الإنسان، كما جاء في المسيحية والإسلام، لكي لا يُذبح الإنسان باسم الأديان. وفي الحديث في استعداد النبي إبراهيم للتضحية بابنه في مدينة القدس، جاء في القرآن الكريم: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافَّات: 107]، حيث أتى جبريل بكبش ليُذبح مكان الصبي. ويُؤمن المسيحيّون بأنّه في أورشليم أي القدس، بذل السيّد المسيح نفسه فداءً لجميع البشر، وفي القدس حُكم على المسيح آنذاك بالموت بتواطؤ السُّلطات السياسيّة مع القيادات الدينيّة. ولا يزال الدين اليوم يُستعمل لتبرير مشاريع استعماريَّة ومصالح فئويّة ظالمة. لهذا السبب؛ طالَب مؤتمر الأزهر عقلاءَ اليهود أنفُسَهم بالاعتبار بالتاريخ، و”أن يعملوا على فضح الممارسات الصهيونيَّة المخالفة لتعاليم موسى عليه السَّلام التي لم تدْعُ أبدًا إلى القتل أو تهجير أصحاب الأرض، أو اغتصاب حقوق الغير وانتهاك حرماته وسلب أرضه ونهب مقدساته”.

حسنًا فَعَل مؤتمرُ الأزهر بالدعوة إلى نُصرة القدس، واعتبار العام 2018 عامًا عالميًّا للقدس، وحسنًا فعلَت الأمم المتحدة بتجديدها رفض الاحتلال لهذه المدينة المقدسة وكل القرارات المجحفة بحقها. ولكن ماذا ينفع كل ذلك ما دامت “عَهْد التميمي” لا تزال قابعة ظلمًا في السجن وهي طفلة، والفلسطينيّون يُعانون القهر والإذلال كل يوم؟! لقد ذكر الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، في كلمته في مؤتمر الأزهر، بأنه منذ سنة 1947 إلى يومنا هذا، صدر 750 قرارًا من الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة، و86 قرارًا من مجلس الأمن، دعمًا للقدس والقضيّة الفلسطينيّة، ولم يُطبّق قرار واحد من هذه القرارات.

لا يجب أن يدفع هذا الواقع إلى اليأس، بل إلى الوعي باختلال ميزان القيم على المستوى العالمي، والسعي إلى تغيير هذه المعادلة. كما في السابق، عندما قَتل قابيلُ (قايينُ) أخاه، وعندما حُكم على المسيح ظلمًا بالموت، لا يزال منطق القوة اليوم مسيطرًا ومتغلبًا على منطق الخير والحق، وفي هذا الواقع سؤال برسم السياسة وبرسم الأديان معًا. فالسياسة مسؤولة مبدئيًّا عن تحقيق الخير العام، والأديان مسؤولة عن تحقيق إنسانيّة الإنسان، وواقع القدس اليوم يُشكّل علامة لعدم نجاحهما في ذلك حتى الآن. فنُصرة القدس، ليست لأجلها ولأجل أهلها وحسْب، بل هي انتصار للأديان والإنسان؛ لأنّه في القدس، وفقط في القدس، يقول محمود درويش: “أَصِيرُ غَيرِي في التجلِّي”.

(نقلا عن موقع تعددية)