موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٣ مارس / آذار ٢٠١٨
نساء يُعَمِّرنَ الأردنّ

زليخة أبوريشة :

هناك عدد كبير من النساء يُعمّرنَ الأردنّ الحديث الآن، في غفلةٍ من الحكومات والقطاع العام، وخارجَ توصياتٍ تقليديّة قدّمتها اجتماعاتٌ ومؤتمراتٌ رسميّة أو شخصياتٌ مواليةٌ أو معارِضة، وبالرغم من كلِّ أشكال الانهيار الأخلاقيّة والمجتمعيّة والاقتصاديّة والتربوية التعليميّة. وغالباً هنَّ نساءٌ يُصغينَ إلى موهبةٍ عميقةٍ وأصيلةٍ في تكوينهنَّ الفكريّ والمعرفيّ والوجدانيّ، بحيثُ يتبعنَ الخيطَ الموصلَ إلى الضمير؛ الضمير الشخصيّ، والضمير الوطنيّ، الضمير الفرديّ والضمير الجَمعيّ، وما يترتّبُ على ذلك من مهمّات، يحملنَها باقتدار، ويؤدّينَها بمهارة. هنَّ نساءٌ، إذا قورنّ بالشخصيّة الرسميّة المتواضعة الخصائصِ والأداء والإنتاج كماً ونوعاً، خارقاتٌ، برغم أنهنَّ نسوةٌ طبيعيّاتٌ يظهرن كمثلِ أيِّ شخصٍ/ة يدخلُ مخبزاً، وكمثلِ أي شخصٍ/ة يراجعُ في دائرة. ولكنَّ التميُّزَ لدى هؤلاء في الفكر الحيّ والوعيِ الحادّ والروح المتوقّدة. إنهنّ يملكن ما ينقصُ كثيرين ممن تحمّلوا المسؤوليّة، على بلوغ لُبِّ المشكلةِ ومحاصرتها بالوعي، وتجميعِ القلوب المصابة ب"الألم الحارق"، كما تقول العزيزة سمر دودين، حولها لابتكار الحلولِ وتنفيذها.

هنَّ كثيراتٌ، مبثوثاتٌ في مهنٍ وحقولٍ شتى، منها المحاماة ومنها الأكاديميا، ومنها الصحافة والإعلام، ومنها الهندسة ومنها التعليم، ومنها الموسيقى والفنون، وغيرها من أعمال وتخصصات. وكثيرٌ منهنّ لم يكتفينَ بأداء المهنة، بل خرجنَ إلى المجتمعِ يقدّمنَ إليه ما يقدرنَ عليه من خبرةٍ وإصلاح، يرمّمنَ ما قصّرتْ عنه حكوماتٌ متعاقبة. ولا ينقصهنَّ سوى أن يتّحدْنَ تحتَ قبّةٍ مشتركةٍ وصيغةٍ واحدة وتيارٍ جامع.

من هؤلاء الباسلات اللواتي أحدثنَ فرقاً في عملهنّ المجتمعيّ المؤسَّس على المصلحةِ العامة، دون أدنى استعراض مقيتٍ، امرأتان على قدرٍ كبيرٍ من التميّز من حيثُ الفكر والأخلاق والشخصيّة، هما الأستاذة سمر دودين، والأستاذة فلنتينا قسيسيّة. والأستاذة سمر أتت إلى موقعها في إدارة مؤسّسة "رواد التنمية" من خلفيتها في الفن المسرحي والتعليم. فهي ممثلة ومخرجةٌ مسرحية ومعلمةُ مسرح مرموقة، جعلت من رواد التنمية تنمو لتصبح مؤسسةً إقليميّةً، لمساعدة المجتمع المحليّ في المناطق المحرومة، أن ينمو نموّاً صحّيّاً، في علاقة أفراد الأسرة ببعضهم، وفي العناية بالطفولة والمرأة خارج ثقافة العنف، وفي تمرير قيم الكرامة الإنسانيّة والديموقراطيّة والحريات العامة والعقل المفكّر، والتمرُّس بها. وباستخدام نظريات التنظيم المجتمعي، نجحت سمر دودين في اختراق أكثر المجتمعات الشعبيّة تشدّداً لتوقفَ بالتراضي والقبول ما يؤذي الأطفال والمرأة من تسلّطٍ بطركيٍّ متأتٍّ من فهمٍ خاص للرجولة والأنوثة والسلطة، مما يفيضُ به الموروث العام. وإلى ذلك فالأستاذة سمر عضوةٌ فعالةٌ في عددٍ آخر من المبادرات والفعاليات والتجمعات الوطنيّة المعنيّة بمصير البلد، بين التربية ومقاطعة العدو الغاصب، وقضايا المرأة والبيئة، والتحول الديموقراطي، والدفاع عن الحريات العامة، ونشر التنوير والفنون والتفكير الناقد، وغير ذلك. والحديثُ يطول في تجربة سمر التي تستحقُّ التعميم على أرجاء هذا الوطن المحروم، والاستفادة من خبرتها التي تتشارك في جوانبَ منها مع عدد من الشباب الناهض، نساءً ورجالاً.

أما الأستاذة فلنتينا قسيسيّة فهي المديرة التنفيذيّة لمؤسّسةٍ أهليّةٍ أخرى عريقة، وسّعت نطاقَ خدماتِها لتشمل الأردنَّ كلّه، بعد أن كانت محصورةً غالباً في العاصمة عمان. وفي عهدها تطوّرت المهمات، لتوسيع المكتبة وخدماتها، بحيثُ أصبحت ملاذاً لطلبة المدارس والجامعات وأهل البحث والكتابة، لا نكادُ نجدُ فيها مقعداً خالياً في معظم أوقاتها. وبحيثُ امتلأت بأحدث الكتب في حقول المعرفة المختلفة، مع نظامِ إشعارٍ بما يستجدّ. أما نشاطاتها فتتوزّع على أيام الأسبوع، ليصبح البرنامجُ معلوماً لجميع المهتمين والمهتمات، وليستقطبَ جمهوراً كثيفاً راقياً متنوعاً، لا يكادُ يضاهيه جمهورٌ آخر في البلد. وإلى ذلك هناك برنامجُ الجوائز في الحقول المتعدّدة، والدورات التدريبيّة المجانيّة لشرائح الأطفال والشباب، والمهرجانات الثقافية والفنيّة والمعارض، وبرنامج المِنَح وتمويل المشاريع البحثيّة والفنيّة "صندوق عبد الحميد شومان لدعم البحث العلميّ"، مما يفيضُ عن سطوري هذه في مقالةٍ سريعة؛ فهناك كثيرٌ يمكنُ قوله حول "درب المعرفة" و"مِنَح الأدب والفنون" و"مِنَح الفكر القيادي" وبرنامج "آخر خميس من كل شهر" للعروض الموسيقيّة، ومنتدى عبد الحميد شومان الثقافي"، والحضور العيني في محافظات المملكة... وغيرها. وأهم شيء هو امتلاكُ المؤسّسة بمديرتها وكوادرها لرؤيةٍ عميقةٍ للواقع وتصوّر نابهٍ وواعٍ للعلاج، يُساسُ كلُّه بالديمقراطيّة وإطلاق الطاقات؛ وذلك طريقُ من تريدُ النجاحَ والتأثير وإحداثَ التغيير.

امرأتان متميّزتان هما عيّنتان من نساء هذا الوطن المُبتلى بالفسادِ وبذكوريّةٍ بطركيّةٍ لا تنتجُ غيرَ البؤس والهوان!

ومع ذلك فبأمثالِهما يتجدَّدُ الأملُ!