موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الخميس، ٨ مارس / آذار ٢٠١٨
نساء يحاربن الفقر ويسطرن قصص نجاح للنهوض بعائلاتهن

منى أبوحمور - الغد :

هن نساء يمثلن الأمل ويمنحن القوة والشجاعة لمن حولهن. مثابرات صابرات مكافحات ملهمات ينسجن حكايات فيها الكثير من الجمال؛ منهن أمهات بسيطات أفنين سنوات حياتهن من أجل أسرهن، ولتوفير تعليم جيد للأبناء مع متطلبات العيش الكريم بعزة وكرامة.

بإصرار تقف تلك الأم كالسد المنيع بوجه صعوبات الحياة ومرارتها، إحساسها بالمسؤولية يدفعها لأن تكون جزءا فاعلا في التصدي لكل ما يواجه عائلتها وأسرتها.

بهمة وعزيمة كانت المرأة الأردنية وما تزال الأم الحانية على أبنائها، تضرب الأرض بيديها المنهكتين تخرج حبا وكرامة لأبنائها، لم تعرف الصعب يوما ولم تكل وتمكنت بإصرارها وقوة إرادتها أن تنهض بأسرتها وتعلم أبناءها وتزرع في طريقهم عزة النفس ومحبة الوطن، وأن تكون شريكا أساسيا في تنمية مجتمعها.

هناك في أقصى شمال الأردن، تعمل الخمسينية أم بهاء «عاملة نظافة» في إحدى المدارس الحكومية، لم تخجل من عملها هذا، بل تمكنت من تحسين دخل أسرتها والاستمرار في تعليم أبنائها، ناذرة على نفسها أن يعيشوا بكرامة.

حرمان أم بهاء من حقها في التعليم بسبب العادات والتقاليد جعل خيارات العمل أمامها قليلة، فضلا عن عدم قدرتها المادية على البدء بأي مشروع حتى لو بمبلغ قليل، إلا أنها وبالرغم من ذلك بحثت عن العمل الذي أصبح يدر عليها دخلا شهريا ثابتا يعينها على مصاعب الحياة.

سعيد بدأت بعملها الخاص، خصوصا مع وجود ثمانية أولاد، فكبر الأطفال وزادت التزاماتهم، حيث أصبح البحث عن مخرج اقتصادي لتأمين مستلزمات البيت والأولاد ضرورة.

اتجهت للعمل في تربية النحل، وبعد فترة من الوقت قامت بتربية الأغنام في المزرعة والاعتناء بها، وتقوم بصنع اللبنة والجبنة من حليبها ثم تقوم بتسويقها في المناطق المحيطة بها.

وفي سحاب، تمكنت الأردنية عبلة صبرة، أن تنتزع حقها بالتعليم الجامعي بإرادتها القوية بعد ثلاثين عاما من زواجها؛ حيث كانت العادات والتقاليد ترى حينها في تعليم البنات عيبا حرمها من إكمال دراستها. شعور صبرة بالمسؤولية ورغبتها في تحسين دخل أبنائها كلها أمور دفعتها لأن تجعل حياتها مسخّرة لخدمة بيتها وتحسين دخل أبنائها والتغلب على مصاعب الحياة، من خلال عملها بالصناعات اليدوية والمشاركة بالبازارات.

ومن جهة أخرى، كان للبيئة القروية التي تعيش فيها أمل شبلي، دافع وراء تفكيرها في البحث عن عمل لتعيل عائلتها، وتقف إلى جانبهم، فتوجهت لتستفيد بما تجود به أغنامها التي تربيها في منزلها، فبدأت بصناعة الأجبان كمشروع شخصي إلى أن أصبحت الآن علامة تجارية معروفة.

وفي الأغوار الوسطى، رفضت أم باجس أن تقبع تحت العوز والفقر ورفضت أن يعيش أبناؤها وسط ظروف اقتصادية صعبة ودخل شبه منعدم.

أم باجس التي ترملت منذ خمسة أعوام، كان أول ما قامت به بعد فقدان زوجها، أن توجهت إلى المزارع بحثا عن العمل، وبعد أن ضاقت بها الدنيا ولم تجد متسعا في المزارع المجاورة بدأت تعمل في جمع روث الأغنام وبيعه كسماد للمزارعين، من خلال عقد اتفاقيات ضمان مع أصحاب الأغنام. تمكنت أم باجس من تعليم أبنائها وتأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة لهم بالرغم من صعوبة ألمها، كما أنها تستعد لتسجيل أولى بناتها في كلية المجتمع.
وعلى امتداد طريق عمان السلط، تخرج أم أحمد منذ ساعات الفجر الأولى من قرية دير علا، لتبيع ما جادت به الأرض من أعشاب خضراء كالخبيزة والحويرنة والفرفحينة والحميضة والفجل والبصل.

على قارعة الطريق، تلوح أم أحمد كل صباح بالخبيزة والفجل، لتلفت انتباه المارة إلى بسطتها لتتمكن من بيع ما لديها والعودة مع غروب الشمس إلى منزلها حاملة معها الخبز لأبنائها وتخبئ ما تبقى مع غلة يومها لتتمكن من إعالة أسرتها.

بيد أن فصل الشتاء لم يكن رحيما كثيرا بها، فبرودة الجو في الشتاء نالت من جسدها النحيل وتسببت لها بأوجاع في عظامها، وبالرغم من ذلك استمرت في بيع الخضراوات لكل من يمر بالطريق ذاته.

ومن جهته، يبين الخبير الاقتصادي، حسام عايش، أنه وبحسب الإحصائيات الرسمية فإن 12%-14% من الأسر الأردنية تعيلها امرأة، وهو ما يقدر بحوالي ربع مليون أسرة. وفي دراسات أخرى، فإن المرأة التي تكون مسؤولة عن الأسرة ومعيلة لها تكون أكثر تخصصا وأكثر استعدادا للتضحية والتنازل عن متطلباتها الشخصية في مقابل أن تكون أسرتها قادرة على التمتع ولو بالحد الأدنى من الدخل الذي تحصل عليه من عملها.

ويلفت عايش إلى أن الإشكالية في الاقتصاد تكون بكيفية احتساب ناتج الجهد الذي تقوم به المرأة؛ اذ لا يمكن أن يسجل ضمن الناتج المحلي ولا يحتسب كجزء أصيل من النشاط الاقتصادي العام، وما يلحق ذلك من عدم تقدير لجهودها بالشكل المناسب، وهذا من ضمن الأسباب التي تجعل المجتمع الأردني والمؤثرين فيه من الرجال يقللون من جهود المرأة ودورها الاقتصادي.

وتقوم النساء بدور اقتصادي غير مباشر ومهم في المجتمع عبر القيام بأنشطة اقتصادية لإعالة أسرتها، كالمشاريع المنزلية؛ حيث شكلت ظاهرة في مواجهة الأعباء المتراكمة نتيجة ارتفاع الضرائب والرسوم وحتى تراجع معدلات دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.

وهذا يعني، بحسب عايش، أن الدور الاقتصادي للمرأة غير المباشر كان من بين العوامل التي أسهمت بقدرة المجتمع على التكيف مع النتائج السلبية لتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وبالتالي أسهمت بحد معقول بالقدرة على تحمل تبعات ونتائج الارتفاعات المتزايدة من الأسعار والتضخم والزيادات المباشرة عليها. مشاركة المرأة الأردنية في هذا النوع من الأعمال أسهمت في دعم أفراد أسرتها، ولو تقاعست المرأة عن القيام بهذه المهمات ولم تبذل تضحيات إضافية وحمت أسرها من براثن الفقر كان من الممكن أن تكون النتائج سلبية أكثر، وفق عايش.

ويلفت إلى أن هذا النوع من النساء له دور استراتيجي مباشر في تحمل النتائج المباشرة لارتفاع كلف المعيشة لأن المرأة بشكل عام على تماس مباشر بارتفاع الأسعار لأنها من تقوم بشراء احتياجات الأسرة، لذلك فإن عمل النساء خارج نطاق القوالب سمح لهن بكسر قيد كبير كان من الممكن أن يعرض الأسر التي ينتمين إليها لمشكلات وتوفير حد أدنى من التعليم والعيش الكريم.