موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأربعاء، ٧ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
نحو عقد اجتماعي جديد

د. محمد القضاة :

تتعرض المجتمعات الانسانية إلى تغيرات سريعة ومتلاحقة أدت الى الإجهاض على القيم وسلخها من منظومتها الاخلاقية والاجتماعية؛ تلك القيم التي تخلق اجواء الانسجام والاحترام والوئام، ومع غيابها غاب الفرد في متاهاته وغوغائيته ونرجسيته، مما اثر على بنية الاسرة والمجتمع، وخلقت اجواء غير مريحة انعكست في مفاهيم جديدة لا علاقة لها بالواقع ومعطياته، ومما ساعد على غيابها وسائل الاتصال الحديثة التي استنزفت القيم والاخلاق وقلبت مفاهيمهما حتى اصبح غير المألوف مألوفا، واللامعنى هو المعنى، واللاصحيح هو الصحيح، والطالح مكان الصالح، والشر في موقع الخير، والمنافق هو صاحب المجلس والآمر الناهي، والصادق مخادع آشر، ولا تدري كيف تحولنا الى هذا المستوى، وكيف تحولت القيم النبيلة بين يوم وليلة في اجازة لا نعرف متى تنتهي، وكأن المجتمع واخلاقه في سبات! وهل الانفتاح العولمي يستوجب الاجهاز على كل معنى نبيل في حاضرنا ومستقبلنا، وهل وسائل الاتصال الحديثة تهرب القيم الأصيلة وتطغى على العلاقات الصحيحة وتتمرد على الواقع الاجتماعي؟ وهو ما أدى الى اختلالات بين طبقات المجتمع، والى اتساع الهوة بين افراد المجتمع الواحد والاسرة الواحدة، وهذا يهدد السلم الاجتماعي وبالتالي نحن امام موجة جديدة من اللاتوازن في الحياة الاجتماعية بمعطياتها ومتطلباتها واحتياجات أفرادها.

إن تدهور القيم وغيابها وعدم الاكتراث بها من الاخصائيين الاجتماعيين والعلماء والمفكرين والمثقفين واصحاب الشأن قد تؤدي الى كوارث لا حصر لها، وإلى تحديات وتغيرات تطال بنية الحياة برمتها، وتوقعات تتجاوز المحذور والمنظور والمألوف في مجتمع شرقي اساسه الاخلاق والقيم والدين، فاين هي الدراسات الاجتماعية التي تعالج هذه الاختلالات، ومدى تأثيرها على الافراد والجماعات والأسر؟ وهل سيبقى هؤلاء خارج معادلة الدراسات النظرية التي لا تلامس همومهم ومشكلاتهم ومعاناتهم اليومية؟ مجتمعنا امام ثقافة غريبة تطحن قيمه وترحل بأفراده الى الأغراب والانكماش والضياع والنرجسية العالية والمتاعب التي تأكل الاخضر واليابس وتنهزم امام الفلس والدينار إذا استمرت حالة التردي والأنانية وشروط المصالح والمنافع والبحث عن المكاسب وحتى لو كان على حساب القيم والناس الذين يتمسكون باخلاقهم وأمانتهم وكرامتهم، وقد شاهدنا افرادا وشللا لا همّ لهم إلا القفز على الحقائق وتوجيه الأفكار والقيم والعلاقات لخدمة انفسهم ومصالحهم ومنافعهم الخاصة، والامثلة لا تعد ولا تحصى ، فهل نتنبه لمثل هؤلاء؟

آن الآوان لإعادة الثقة للقيم النبيلة مهما كانت التحديات، آن آوان عقد اجتماعي جديد يرسخ القيم والمثل العلياء والكرامة الإنسانية باعتبار أن الإنسان هو محور هذه القيم وأساسها ودونه لا نستطيع أن نفعل شيئا، لا بد من العودة الى الحجم الحقيقي للفرد والاسرة والمجتمع، وان يعرف كل واحد وزنه وقدرته الحقيقية بعيدا عن الانتفاخ والهليمان الخادع، وأن يفكر الواحد بشؤونه هو، وأن ينكر ذاته ومصالحه، على أن يقوم المجتمع ومؤسساته بواجبهم نحو مكافأة المجد والمخلص، ومعاقبة المسيء كي يدرك كل طرف نهاية عمله، ولا بد من واقعية وتربية سوية اساسها الوعي والمثابرة والميثاق الاخلاقي.

(الرأي)