موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٦ يونيو / حزيران ٢٠١٨
نحو إلغاء البشرية لعقوبة الإعدام

داود كتّاب :

في خطوة تقدمية مهمة انضمت فلسطين لعدة بروتوكولات، أحدها بروتوكول منع تطبيق عقوبة الإعدام. ورغم أن عقوبة الإعدام تعتبر أمرا خلافيا في أنحاء المعمورة إلا أن قرار الرئيس الفلسطيني حسم الخلاف ووضع فلسطين في خانة الدول الرافضة لهذا النوع من العقاب الذي لا يمكن التراجع عنه بعد حدوثه في حال استند إلى حكم قضائي خاطئ.

يشير قرار فلسطين إلى إعطاء أهمية قصوى لحق الحياة واحترام حياة كل مواطن بما في ذلك المواطن المجرم. فحق الحياة مكفول بجميع الوثائق والتعهدات الدولية وأهمها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

إذ تنص المادة 6 من الجزء الثالث للعهد الدولي على أن "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا".

إن عقوبة الإعدام من أكثر الأمور التي يختلف عليها الناس في بعض المجتمعات. يعتبر البعض أنها عقوبة وحشية غير إنسانية وليس لها أي مبرر وأن الخطأ في تنفيذها غير قابل للإصلاح حيث أنه من الممكن أن تظهر براءة الشخص الذي حكم عليه بالإعدام. آخرون يرون أن حكم الإعدام هو انتقام الدولة من مواطنين، فيصبح هذا الحكم جرما مماثلا لجرائم القتل الأخرى، ولكن نفذتها السلطات.

في المقابل، يقول المدافعون عن الإعدام إنها عقوبة ضرورية لاستقرار المجتمع وتردع المجرمين وتمنعهم من ارتكاب جرائم مثل القتل أو الاغتصاب. ويضيف هؤلاء أنه لو ألغيت عقوبة الإعدام فالمجتمع سيضطرب وتزيد الجرائم فيه. لكن المنتقدين يؤكدون أن الإعدام لا يردع أو يقلل من عدد الجرائم بدليل أن الجرائم التي تعاقب بالإعدام لا تزال موجودة في الدول التي تعتمد العقوبة.

إضافة الى ذلك، كثيرا ما نرى أن الذين تطبق في حقهم عقوبة الإعدام يكونون من طبقات في قاع المجتمع أو عناصر عرقية "منبوذة"، في حين أن الأغنياء والمهمين من الطبقات الاجتماعية العليا ينفذون من العقوبة عن طريق تجنيد أعداد كبيرة من المحامين للدفاع عنهم أو دفعهم المال لأهل الضحية (فدية) وهذه قمة انعدام العدل.

من خلال الانضمام إلى التعهد بعدم تطبيق حكم الإعدام، تكون فلسطين قد انضمت إلى 103 دول قامت بإلغاء كامل لكل ما يتعلق بعقوبة الإعدام، وهو ما يضع فلسطين ضمن الدول التقدمية التي تعطي أهمية عليا لقيم الإنسان وحقه في الحياة حتى لو كان مجرما.

قد يكون الاتحاد الأوروبي أهم مجموعة دولية وضعت إلغاء عقوبة الإعدام من شروط عضويتها. فمجلس أوروبا المكون من 47 دولة وضعت البروتكول الثالث عشر للعهد الأوروبي لحقوق الإنسان كشرط أساس لمن يرغب أن يكون جزءا من هذا التجمع الهام.

بدورها، وافقت الجمعية العام للأمم المتحدة على قرارات غير ملزمة في أعوام 2007 و2008 و2010 و2012 و2014 تدعو إلى وضع حد لقرارات إنهاء الحياة عبر المحاكم. ورغم أن معظم الدول ألغت حكم الإعدام إلا أن 60 في المئة من سكان العالم لا يزال يسكنون في دول متمسكة بحكم الإعدام ومن أبرزها الصين والهند والولايات المتحدة الأميركية وإندونيسيا وباكستان وبنغلاديش واليابان وسيرلانكا.

رغم أن فلسطين ألغت عقوبة الإعدام فإن هذه العقوبة لا تزال موجودة في القوانين الإسرائيلية رغم عدم تطبيقها بصورة طوعية. فإسرائيل نفذت قانونيا حكم الإعدام مرة واحدة في قضية أدولف أيخمان المسؤول النازي الذي تم خطفه من أميركا اللاتينية وتم محاكمته وتنفيذ حكم الإعدام عليه عام 1962 ومنذ ذلك الوقت لم يتم الطلب أو تنفيذ حكم الإعدام. يعتبر القادة الأمنيون والعسكريون في إسرائيل أن تنفيذ حكم الإعدام على نشطاء فلسطينيين سيرفع أعداد العمليات الانتحارية لأن المنفذ يعرف أنه لو نجا سيتم إعدامه وسيتحول إلى رمز لشعبه.

ولكن هناك من يقول إن الجيش والموساد الإسرائيلي ومن خلال عمليات القنص يقوم بدور الحاكم والجلاد من خلال قرارات إنهاء حياة مقاتل أو أي من النشطاء الموجودين على القائمة السوداء، أو كما يحدث في غزة بحق نشطاء الحراك السلمي غير المسلح والذي انتقدته منظمة هيومن رايتس واتش بشدة، مؤكدة أن قرارات القنص تأتي من الجانب السياسي والعسكري وأن حياة القناصة لم يكن في خطر ولذلك لا يصلح وضع تلك العمليات في خانة الدفاع عن النفس.

في الملف الفلسطيني طبعا هناك مشكلة أخرى في ما يخص موضوع حكم الإعدام حيث تقوم حركة "حماس" بين الحين والآخر بتطبيق قرارات بإنهاء حياة مواطنين فلسطينيين دون التصديق عليها كما ينص القانون الفلسطيني من قبل الرئيس عباس. وغالبا ما تتم تلك العمليات بدون محاكمة عادلة حسب المعايير الدولية والتهمة في الغالب تكون الخيانة العظمي من خلال التخابر أو التعامل مع إسرائيل. فهنا تتضاعف مشكلة الإعدام فمن جهة تقوم إسرائيل باغتيال ناشط وتطبق من جانب واحد المحاكمة والإعدام في قرار منفرد، ومن جهة أخرى تقوم الجهة المتضررة (حركة حماس) بإيجاد شخص فلسطيني أو أكثر، وقد يكون أحيانا كبش فداء، وتطبق بحقه حكم إعدام مشكوك في المحاكمة التي أدت إليه، وبتهمة التخابر.

لقد حان الوقت للبشرية جمعاء أن تتفق على أمر واحد وهو ضرورة إنهاء عقوبة الإعدام إلى الأبد. فالإنسان من صنع الخالق ولا يحق لأي إنسان آخر، وخاصة دولة ذات سيادة، إنهاء حياة شخص وبقرار مسبق. فالمثل العربي الشهير ينطبق هنا: سبق السيف العدل. فإن كنا مع العدل فعلينا إلغاء قرارات الإعدام من محاكمنا وقوانينا ويفضل أن يكون ذلك من خلال تعديل دستوري واضح وليس عبر قرارات إدارية يمكن للحكومة العودة عنها.