موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٣١ يناير / كانون الثاني ٢٠١٩
نحن والتنقيب عن الآثار

د. صلاح جرّار :

أشعر بكثير من الحزن والأسى وأنا أطالع أخبار المعالم الأثرية الشهيرة والضخمة على امتداد الوطن العربي من الأهرامات إلى البتراء إلى آثار جرش وبعلبك وبابل وغيرها، وذلك عندما تذكر المراجع على أنّ مكتشفيها كلّها أو معظمها هم من علماء الآثار الأجانب من بريطانيين وفرنسيين وألمان وطليان وإسبان وغيرهم وكأنّ الأرض العربيّة التي «لا يحرثها إلاّ عجولها» لم يكونوا يعرفون بتلك الآثار ولا يستطيعون أن ينقبّوا عنها ويكتشفوا قيمتها التاريخية والعلمية، بينما نرى بأم أعيننا أنّ كثيراً حتّى من عوامّ الناس عندما يريدون البحث عن كنوز في المناطق الأثرية فإنّهم لا يعجزون عن قلب عاليها سافلها. ولئن كان يمكن فهم ذلك خلال عهود الاستعمار الأوروبي للمنطقة العربيّة، فإنّه لم يعد مفهوماً أو مسوّغاً بعد أن بلغنا الربع الأوّل من القرن الحادي والعشرين، حيث ما زال التنقيب عن الآثار العربيّة معتمداً بالدرجة الأولى على بعثات الآثار الغربية والمعونات الغربية أيضاً، مع أن الوطن العربي الآن فيه علماء آثار متميزون يشار إليهم بالبنان ممّن يعملون في الجامعات ومعاهد الآثار ودوائر الآثار الحكومية، ويوجد عندنا في الأردنّ عددٌ ممّن نفخر بهم وبخبراتهم ودرجاتهم العلمية وشهرتهم العالمية وأبحاثهم ومؤلفاتهم الكثيرة.

ومنذ زمن بعيد وأنا أسمع من المختصّين بالآثار ذريعتين لظاهرة الاستمرار في الاعتماد على الخبرات الأجنبية في التنقيب عن آثارنا، وهاتان الذريعتان هما: ضعف الإمكانيات المالية العربيّة المخصّصة للتنقيب عن الآثار وترميمها وحمايتها وصيانتها، وامتلاك البعثات الأجنبية لأجهزة وتقنيات متطوّرة لا نستطيع امتلاكها.

وهاتان الذريعتان قابلتان للنقض نقضاً تامّاً، فمسألة عدم كفاية الأموال المخصّصة للتنقيب عن الآثار هي مسألة تثير السخرية، إذا ما تذكّرنا ما يمكن أن تحقّقه لنا الآثار من إيرادات سياحية هائلة عند اكتشافها وصيانتها و الترويج لها وتهيئة الخدمات السياحية اللازمة لها من طرق وفنادق ومطاعم وأدلاء سياحيين وشرطة سياحية وغير ذلك، فإنّ مثل هذه الإيرادات كفيلة بتغطية تكاليف التنقيب وأثمان الأجهزة مهما بلغت.

وأمّا القول بأن خبراء الآثار الأجانب لديهم من وسائل التنقيب والصيانة والترميم ما لا نملك، فذلك أيضاً قولٌ مردود، لأنّ ما يجعل العرب قادرين على استيراد آليات ضخمة ذات استخدامات مدنية وعسكرية وبتكاليف مرتفعة جدّاً، يجعلنا قادرين على شراء كلّ ما يلزمنا من أجهزة وآليات ووسائل للتنقيب، إلاّ إذا كنّا لم ندرك بعد الأهميّة البالغة للآثار والتنقيب عنها والحفاظ عليها، ولم نعرف بعد كيف نستثمر غنى الأرض العربيّة بالآثار التي تعود لعصور متعاقبة وبعضها موغل في القدم، استثماراً سياحياً مدروساً يعود بالنفع الاقتصادي على الوطن العربي وشعوبه وتطلعاته نحو التنمية والنهضة.

(الرأي الأردنية)