موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٩ يونيو / حزيران ٢٠٢٠
نتائج استطلاع.. أسباب هجرة المسيحيين الفلسطينيين، وطرق الحد منها
نتائج استطلاع الرأي بين المسيحيين الفلسطينيين (27 كانون ثاني -23 شباط 2020)

المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية :

 

قام المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بإجراء استطلاع للرأي بين المسيحيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وذلك في الفترة ما بين 27 كانون ثاني - 23 شباط 2020. هدف الاستطلاع إلى استكشاف الأسباب التي تدفع بالمسيحيين إلى الهجرة من وطنهم فلسطين إلى دول أخرى والطرق المختلفة التي قد تساهم في الحد من تلك الهجرة.

 

شهدت الفترة المرافقة للاستطلاع مجموعة من التطورات الهامة منها الإعلان عن الخطة الأمريكية للسلام المعروفة باسم "صفقة القرن"، والرفض الفلسطيني القاطع لها والذي تبعه رفض جماعي من وزراء الخارجية العرب ومن ممثلي العالم الإسلامي. في الأوضاع الداخلية صدرت تصريحات من فتح وحماس تدعو للمصالحة، لكن لم يتبلور عنها أي خطوات ملموسة. كذلك، تراجعت الجهود المبذولة لعقد انتخابات تشريعية فلسطينية. لكن العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في درجة التوتر، وازدادت المواجهات العنيفة، وبدت هناك بوادر حرب تجارية ومقاطعة محدودة. تم إجراء المقابلات وجهًا لوجه مع عينة عشوائية من المسيحيين البالغين بلغ عددها 995 شخصًا وذلك في 98 موقعًا سكنيًا في سبع محافظات فلسطينية وكانت نسبة الخطأ +/-3%.

جانب من الاحتفالات في كنيسة القيامة، في المدينة القديمة بمدينة القدس المحتلة

مخلص النتائج الرئيسية

 

تشير النتائج بوضوح إلى أن نسبة الرغبة في الهجرة بين المسيحيين الفلسطينيين تفوق بكثير نسبة الرغبة في الهجرة بين المسلمين الفلسطينيين. بل إن هذه النسبة تبلغ في الضفة الغربية حوالي ضعف نسبتها بين المسلمين. تقول النسبة الأكبر من الراغبين في الهجرة أنهم يريدون التوجه للولايات المتحدة أو كندا فيما تأتي أوروبا في المرتبة الثالثة. وتقول النسبة الأعظم أن سبب التفكير في الهجرة اقتصادي فيما تقول نسب صغيرة مختلفة أنها تبحث عن فرص للتعليم أو مكان أكثر أمنًا واستقرارًا أو أقل فسادًا أو أكثر حرية وتسامح ديني.

 

لكن الاستطلاع وجد أسبابًا أخرى يعود بعضها لظروف الاحتلال الإسرائيلي أو الأوضاع الفلسطينية الداخلية. فمثلاً، يشكو المسيحيون من تأثيرات الاحتلال مثل الحواجز واعتداءات المستوطنين ومصادرة الأراضي. كذلك يشكون من قلة الأمن وترى أغلبية كبيرة منهم أن الاحتلال الإسرائيلي يريد طردهم من وطنهم. أما بالنسبة للأوضاع الداخلية فهناك شكوى وقلق شديد من قلة الأمان، والخوف من الجريمة والسرقة، ومن غياب الحريات وسيادة القانون، ومن انتشار الفساد. كذلك هناك قلق واضح من وجود جماعات دينية سلفية في المجتمع الفلسطيني ومن وجود تنظيمات فلسطينية مسلحة مثل حماس، ومن كل المجموعات التي تمثل الإسلام السياسي.

 

وبالرغم من أن الغالبية العظمى تقول إنها لا تتعرض لمضايقات من جيرانهم المسلمين أو في المدارس وأماكن العمل، فإن نسبة تتراوح بين الخمس والربع تشكو من سماع ألفاظ وشتائم قاسية أو تكفيرية وتقول أقلية كبيرة جدًا أنها تشعر أن معظم المسلمين لا يرغبون في وجودهم في هذا الوطن. كذلك، بالرغم من أن الغالبية العظمى تقول إنها لا تعاني من التمييز بسبب الدين فإن نسبة تتراوح بين الخمس والربع تقول إنها تعاني من التمييز عند البحث عن عمل أو عند طلب خدمة من مؤسسات السلطة الفلسطينية. وفيما تقول الغالبية العظمى أنها تشعر بالاندماج في المجتمع الفلسطيني فإن ثلاثة من كل عشرة أفراد لا يشعرون بذلك أو يشعرون بوجود كراهية تجاههم من المواطنين المسلمين، ويقول حوالي الربع أن بعض معارفهم المسلمين يدعوهم للدخول في الدين الإسلامي، ويقول سبعة أفراد من بين كل عشرة أنهم قد سمعوا يوماً مسلماً يقول إن المسيحيين سيذهبون إلى النار.

 

تشير النتائج أيضًا إلى أن المسيحيين مثلهم في ذلك مثل المسلمين، لا يثقون بالحكومة الفلسطينية أو لا يثقون بأجهزة الأمن أو القضاء. بل إن أغلبية تميل أيضاً لعدم الثقة بالقادة من رجال الدين المسيحيين وبمنظمات المجتمع المدني. تميل الأغلبية للاعتقاد بوجود فساد في مؤسسات وأجهزة السلطة الفلسطينية. وبينما تقول الغالبية العظمى من المسيحيين أن النظام الديمقراطي هو الأفضل، فإن واحداً فقط من كل عشرة بينهم يصف النظام الفلسطيني على أنه نظام ديمقراطي. وعموماً، وجد الاستطلاع أن الغالبية العظمى من المسيحيين يعتقدون أنه يجب أخذ الحيطة والحذر في التعامل مع الناس، فيما يعتقد واحد فقط من كل عشرة أنه يمكن الثقة بأغلبية الناس.

 

في العملية السياسية تشير النتائج إلى أن أكثر من نصف المسيحيين يريدون حلاً سياسيًا للصراع مع إسرائيل يؤدي لقيام دولة واحدة ذات حقوق وواجبات متساوية للفلسطينيين والإسرائيليين فيما يقول ثلاثة من كل عشرة أنهم يفضلون حل الدولتين. يرى نصف المسيحيين أن حل الدولة الواحدة هو الأكثر أماناً لهم في فلسطين.

 

كذلك وجد الاستطلاع أن مما يساعد على ازدياد نسبة هجرة المسيحيين تتعلق بوجود نسبة عالية جدًا منهم ذوي أقارب كانوا قد هاجروا للخارج في السابق وبوجود اعتقادات بأن هؤلاء سيساعدونهم عند الهجرة. كما يعتقد حوالي النصف أن قوانين الهجرة في دول اللجوء تميز لصالح المسيحيين. وعند التفكير في التطورات السياسية الإقليمية فإن حوالي الثلثين يقولون إنها تشكل عوامل دفع إضافية لرغبتهم في الهجرة.

 

أخيرًا، عند السؤال عن كيفية علاج ظاهرة الهجرة بين المسيحيين الفلسطينيين فإن الاستطلاع قد وجد تركيزًا من المجيبين على ضرورة قيام صناع القرار الفلسطينيين وقادة الكنيسة بالاهتمام بالموضوع والعمل على محاربة هذه الظاهرة. وتركزت الاقتراحات المقدمة على ضرورة تحسين الأوضاع الاقتصادية، مثل إيجاد فرص عمل أو توفير المسكن والمساعدات المالية لمن هم بحاجة لها؛ أو على تحسين أوضاع الأمن والأمان، مثل ضرورة تعزيز قدرة السلطة على فرض النظام والقانون؛ أو على ضرورة ترسيخ قيم الديمقراطية والتسامح.

امرأة تضيء الشموع في كنيسة المهد في مدينة بيت لحم

الهجرة بين الفلسطينيين

 

تشير التقارير الإحصائية الإسرائيلية الرسمية إلى أن مجموع الهجرة الفلسطينية الصافية من الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الفترة بين 1967-1989 قد بلغت حوالي 300 ألف مهاجر، أي بمعدل سنوي بلغ أكثر من 13 ألفًا. اما بين الفترة من 1990 وحتى نهاية 1994 فإن هذه التقارير تشير إلى أن عودة العديد من كوادر منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها الأمنية قد أضاف زيادة سكانية خالصة بلغت حوالي 30 ألف فلسطيني لمناطق السلطة الفلسطينية، وذلك بعد خصم المهاجرين خلال تلك الفترة. أما بين الفترة من 1995 وحتى 2003 فإن نفس المصادر الرسمية الإسرائيلية تشير إلى أن حوالي 88 ألف قد هاجروا من مناطق السلطة، أي بمعدل سنوي بلغ حوالي 11 ألف مهاجر.

 

أما جهاز الإحصاء الفلسطيني فأشار مسح أجراه في عام 2010 إلى أن حوالي 33 ألف فلسطيني قد هاجروا من الأراضي الفلسطينية خلال الفترة من 2005 وحتى 2009، أي بمعدل سنوي بلغ حوالي 7 آلاف، وأنه خلال نفس الفترة عاد لأراضي الوطن أكثر من 30 ألف مهاجر. لا توجد أرقام منشورة ذات مصداقية عن الوضع الراهن، لكن التقديرات تشير إلى أن المعدل السنوي للهجرة خلال السنوات العشر الماضية قد يكون أكثر من 10 آلاف مهاجر. كما أن إعادة فتح معبر رفح بشكل شبه دائم في عام 2018 فتح المجال، حسب تقديرات غير مؤكدة، لخروج حوالي 24 ألف مهاجر من قطاع غزة في ذلك العام فيما تقول مصادر حكومية إسرائيلية أن العدد قد بلغ 35 ألفًا لتلك السنة.

 

أما بين المسيحيين الفلسطينيين بالذات فإن معدلات الهجرة كانت تاريخيًا أعلى مما هي بين المسلمين. مع انتهاء فترة الحكم العثماني في فلسطين وبدء الانتداب البريطاني في عام 1922 شكل المسيحيون 11% من سكان فلسطين الكاملة، وبلغ تعدادهم 70,429 فردًا. لكن هذه النسبة تراجعت مع انتهاء الانتداب إلى 8% في عام 1946 رغم ارتفاع عددهم ليبلغ 145,063.  34.000 شخص أي ما نسبته 2.9% من مجموع السكان في اسرائيل. في عام 1949 بلغ عدد المسيحيين في الضفة الغربية 51.063 شخص، وبلغ عددهم في تعداد 1961، الذي أجرته الحكومة الأردنية، 45855. وعند بدء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967 بلغت نسبة المسيحيين في هذه المناطق المحتلة 6% وعددهم 42,719. وعند إجراء الإحصاء الفلسطيني الرسمي الأول في عام 1997، أي بعد قيام السلطة الفلسطينية بأربع سنوات، بلغ عدد المسيحيين الفلسطينيين 40,055 ونسبتهم 1.5 فقط. أما الإحصاء الثاني في عام 2007 فوجد عددهم 42,565 ونسبتهم 1.2؛ فيما شهد الإحصاء الثالث، في عام 2017، ارتفاع عددهم ليبلغ 46,850 مع انخفاض نسبتهم لتبلغ 1% فقط.

كنيسة القديسة كاترينا الرعوية، المحاذية لكنيسة المهد في مدينة بيت لحم

يعود التراجع في نسبة المسيحيين في البلاد للهجرة بالدرجة الأولى، وخاصة بين الشباب. لكن هناك أسباب إضافية غير الهجرة، ومن أهم هذه الأسباب ضعف النمو السكاني بين المسيحيين مقارنة بالمسلمين وارتفاع سن الزواج بينهم. وقد وجد استطلاع فلسطيني للباروميتر العربي في نهاية عام 2018 أن نسبة من هم فوق الخمسين عامًا قد بلغت 39% بين المسيحيين مقابل 21% فقط بين المسلمين.

 

وقد شهدت بعض المدن الفلسطينية في الضفة الغربية ذات الصبغة المسيحية تراجعًا كبيرًا في نسبتهم خلال المائة سنة الماضية. فمثلاً تراجعت نسبة المسيحيين في مدينة بيت لحم من 84% في عام 1922 إلى 28% في عام 2007، وفي بيت جالا من 99% إلى 61% وفي بيت ساحور من 81% إلى 65% خلال نفس الفترة.

 

للإطلاع على النتائج التفصيليّة