موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
ناجح سمعـان يكتب: صلاة الإيمان في مواجهة الوباء

ناجح سمعـان :

 

"إلى من نذهب يا رب وكلام الحياة الابدية عندك؟". يروي القديس يوحنا الرسول في انجيله المبارك بالاصحاح السادس، وقائع حوار جدلي بين الرب يسوع وتلاميذه حول حضور الله في العالم حتى إن بعض تعاليم السيد المسيح استعصى فهمهما على التلاميذ فقالوا: "هذا كلام صعب من يطيق أن يسمعه؟". وفيما بعض التلاميذ تركوا يسوع وانقطعوا عن مصاحبته كان جواب التلميذ بطرس على معلمه مختلف نسبيًا إذ قال للرب: "إلى من نذهب يا سيد وكلام الحياة الأبدية عندك؟ نحن آمنا أنك أنت قدوس الله" (يو 6/ 68–69). لا شكّ أن عقل بطرس تلقى أفكار يسوع في الموقف بكثير من عدم الفهم وربما التمرد مثل بعض التلاميذ، لكن يكشف جوابه على الرب عن موقع الإيمان الساكن في قلبه، والذي قاده إلى قبول تعاليم المخلص والثقة به متجاوزًا إشكالية عدم الفهم.

 

يتشابه الموقف التعليمي السابق بين المعلم والتلاميذ -في تقديري- مع ما نعيشه هذه الأيام في التعاطي العقلي والإيماني والسلوكي أمام حدث الوباء العالمي كورونا. يبدو الحدث عصيًا على الفهم، تتباين حوله التفاسير العلمية والسياسية والدينية أيضًا، وهو ما يجعل من الولوج فى طريق الإيمان أمرًا حتميًا نحو الوصول إلى مرفأ السلام.

 

في سياق الحديث عن قوة الإيمان في مواجهة معضلة عدم الفهم إزاء الكوارث والأوبئة، يظهر موقع الصلاة كسلاح روحي مدعوون جميعًا إلى ممارسته والتدرب عليه، مصغين في هذه المسيرة الروحية إلى إلهامات الروح القدس، لكي يتولد في قلوبنا رجاء الخلاص. وفي محاولة للنمو فى مدرسة الصلاة، أودّ أن أضع أمام القارىء الكريم بعضًا من تعليم الكنيسة الكاثوليكية حول موقع الصلاة فى الحياة المسيحية.

 

في كتاب "موجز التعليم المسيحي" لنيافة الأنبا مكاريوس توفيق، مطران الاسماعيلية الشرفي للأقباط الكاثوليك، والصادر ضمن أعمال المجمع السكندري الثاني (1996–2001)، يتناول الكتاب في فصله الرابع موضوع "الصلاة المسيحية". عن معنى الصلاة يعرفها الكاتب استنادًا إلى التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، بأنها ارتفاع النفس إلى الله لتسبيحه وشكره، فالله يدعو كل شخص بلا كلل إلى لقاء سري معه حيث الصلاة ترافق كل تاريخ الخلاص كنداءٍ متبادل بين الله والإنسان. ويضيف سيادة المطران كاتبًا "يقدّم لنا العهد القديم أمثلة رجال صلاة عظماء مثل ابراهيم ويعقوب وموسى وداود، ويقدّم لنا كتاب المزامير نماذج للصلاة، فالمزامير هي قمة صلوات العهد القديم، وهي تقدم عنصرين متكاملين هما العنصر الشخصي والعنصر الجماعي، كما تضم أبعاد التاريخ بتذكير الأجيال بدعوة الله التي أتمّها لشعبه وبالتعبير عن الرجاء في مجيء المسيا. كذلك استعمل السيد المسيح المزامير في صلاته، بل وتحققت فيه بشكل كامل، لذا فهي عنصر أساسي وثابت في صلاة الكنيسة، وهي تناسب الناس في كل الظروف والأزمنة".

 

عن الصلاة في العهد الجديد، يكتب نيافة الانبا مكاريوس قائلاً: "يقدّم لنا العهد الجديد الصلاة الكاملة، صلاة يسوع البنوية التي كان يرفعها غالبًا في الوحدة والصمت، وهي تعبير عن قبول تام مفعم بالحب لمشيئة الآب حتى الصليب، وثقة مطلقة باستجابتها. وقد علم الرب يسوع تلاميذه أن يصلوا بقلب طاهر وبإيمان حي وبإلحاح بنوي، كما حثّهم على السهر أى اليقظة الروحية ودعاهم إلى توجيه طلباتهم إلى الله باسمه. للصلاة الربية موقع متميز في الصلوات الشخصية والطقسية عن هذا يكتب نيافة المطران: "علمنا يسوع هذه الصلاة عندما سأله تلاميذه يا رب علمنا أن نصلي (لو 11/ 1)، إن صلاة أبانا هي الصلاة الكاملة، فهي خلاصة الانجيل كله. لذا فهي صلاة الكنيسة الأولى، وهي عنصر جوهري في صلاة الأجبية والأسرار الكنسية ووجودها في ليتورجيا الافخارستيا يظهر الطابع الاسكاتولوجي لطلباتها في رجاء وانتظار عودة الرب، يجب أن نتلوها بعاطفة بنوية وبثقة وتواضع وفرح، فيسوع علمنا أن ندعو الله أبانا. كذلك الروح القدس، هو معلم الصلاة، فهو الذي يعلم الكنيسة اليوم ويذكرها بكل ما قاله يسوع ويدربها على حياة الصلاة بصيغ متجددة، وإن كانت من خلال أشكال ثابتة هي صلاة البركة والشكر والتسبيح والتوسل ثم الشفاعة".

 

حول أشكال الصلاة يقول الأب المطران: "حيث أن الله يبارك قلب الإنسان، فهذا القلب بدوره يستطيع أن يبارك الله ينبوع كل بركة ويرفع له المجد والاكرام والتسبيح. وتتركز صلاة التسبيح على الله وحده، فتتغنى به لذاته المحبوبة وتمجده لأنه هو الكائن بغض النظر عما يفعله لنا، فهي صلاة منزهة عن الغرض. ثم يرفع صلاة الشكر والحمد على غزيز نعم الله وعطاياه وعلى مراحمه الإلهية وعنايته الأبوية وعلى كل فرح وألم وعلى كل حدث. أما صلاة الطلبة فهي تلتمس الغفران والرحمة وتطلب ملكوت الله وبره وسائر الاحتياجات الروحية والزمنية. والصلاة الشفاعية تلتمس نعمة لصالح الغير وهي لا تقف عند حد أو اعتبار فتشمل حتى الأعداء".

 

عن التجارب الرئيسية التي تهدد الصلاة كتب نيافة الانبا مكاريوس توفيق: "هي ضعف الإيمان والإحباط أو اليأس من المداومة، وسببها التراخي في النسك وهذا يقود إلى التخاذل لذلك لا يجب أبدًا السقوط في الإحباط، بل مواجهة الموقف بالاتضاع واللجوء إلى الرب بثقة وثبات، فهو الذي قال من يثبت إلى المنتهى يخلص". وحول تساؤل الساعة، هل لصلاتنا تأثير على الأحداث العامة؟ يجيب سيادة المطران: "نعم، فالصلاة المسيحية هي تعاون مع العناية الإلهية في تتميم خطة حب الله للبشر".