موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٣ فبراير / شباط ٢٠١٩
من زمن يونان إلى ’داعش‘... نينوى تغيّر طريقة تفكيرنا!

الأب ألبير هشام نعّوم – بغداد :

مرّ علينا هذه الأيام، وكعادة كلّ سنة، صوم "الباعوثا" (كلمة سريانية تعني "الطلبة والتضرع") وهو صوم معروف في الكنيسة الكلدانية وكنيسة العراق بالعموم. وله علاقة بحدث تاريخي وقع في مدينة نينوى في القرن السابع للميلاد، إذ انتشر وباء الطاعون في مناطق عديدة من العراق، وبسببه طلب البطريرك والأساقفة من الشعب، الصلاة والصوم لكي تتوقف هذه الكارثة، فاستجاب الله لصلاتهم وصومهم وانتهى هذا الوباء القاتل، فاتفق رؤساء الكنيسة أن يحيوا هذه الذكرى سنويًا من خلال صوم وصلاة الباعوثا. ويُقرأ في قداديس أيام الباعوثا، سفر يونان في الكتاب المقدس، لأن الكنيسة شبّهت ما حدث بقصّة نينوى في زمن النبي يونان.

وفي زمننا المعاصر، مرّت نينوى بكارثة أخرى اسمها "داعش" وانتهت بعد "ثلاث" سنوات (من شهر حزيران 2014 إلى شهر تموز 2017)، فلا زال لرقم "ثلاثة" رمزيته اليوم (بقي يونان في بطن الحوت كما بقي المسيح في القبر ثلاثة أيام، ونحن نصوم الباعوثا ثلاثة أيام!)، فعاشت نينوى هذه الخبرة، منذ زمن يونان ومرورًا بالقرن السابع وحتّى اليوم، إذ سجّلت حدثًا تاريخيًا من خلال تحريرها من داعش لتبدأ حياةً، نأمل ونترجّى من القلب أن تكون فعلاً حياةً جديدة! وهذا العام، ولأول مرة بعد تحريرها من داعش، تمّت مراسيم صلاة الباعوثا في قلب مدينة الموصل، لتبقى نينوى نموذجًا للتوبة!

نينوى اليوم تدعونا إلى التوبة، أي الندم على خطايانا، ولكنها تعني أيضًا التغيير في عقليتنا، كما غيّر الله طريقة تفكير النبي يونان: ففي البداية لم يقبل أن يذهب إلى شعب نينوى ليدعوهم إلى التوبة لأنهم شعب وثني، مُعتَبرين أعداءً لشعبه، فلم يرد يونان أن يشملهم الله برحمته، فذهب إلى ترشيش، ويُقال إنها أبعد نقطة عن نينوى، لكي يهرب من طلب الله هذا! ولكن الله غيّر طريقة تفكيره، فجعله يتأمل ويصلّي في بطن الحوت ثلاثة أيام، وكان الدرس الأكبر من خلال اليقطينة التي يبست واغتمّ عليها يونان كثيرًا، إذ علّمه الله من خلالها كيف يرحم شعبه: "أفلا أشفق أنا على نينوى، المدينة العظيمة، التي يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوةً من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم، وبهائم كثيرة"! (4/11).

ولا زال الله يشفق اليوم وغدًا على نينوى العظيمة، وهو يربّينا لكي نفهم منطقه الإلهي، فلا نمنع رحمته عن أحد، ولا نحكم على أحد بأنه غير قابل للتوبة، بل نمتلئ بالرجاء أن عند الله لا يوجد شيء مستحيل (لوقا 1/37) ويمكن أن يخرج أمرٌ صالح من الناصرة (يوحنا 1/46) ومن نينوى أيضًا! ما دام إلهنا "إله رؤوف ورحيم بطيء الغضب، وكثيرة الرحمة، ونادم على الشرّ" (يونان 4/2). فإذا كان ربّنا "هو هو أمس واليوم وإلى الأبد" (عبرانيين 13/8) فكم علينا أن نغيّر طريقة تفكيرنا ونظرنا للأمور ولا نحكم عليها إلا بمنظور الله نفسه: وهذا هو المعنى الحقيقي للتوبة!