موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر السبت، ٢٩ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٨
من أفراح الميلاد: الأسرة والمغارة والشجرة والمسرّة

الأب د. بيتر مدروس :

ما للعين المسيحيّة التي ما قرّت في الميلاد وما عيّدت عذر!

وُلد المسيح: "فرح يعمّ الشّعب كلّه" أي بمولد "المخلّص في مدينة داود التي تُدعى بيت لحم". وهذه هي العلامة للرعاة:"تجدون طفلاً مقمّطًا مضجعًا في مذود". إنه الطفل وليد الوالدة في بيت لحم إفراثا- وإفراثا اسم عشيرة يسّى والد داود من سبط يهوذا الذي منه سيولد المسيح المنتظر (تكوين 49، أشعيا 11: 1). ولا يجوز لمسيحيّ ألاّ يكتب عن العيد- إذا كتب- وألاّ يحتفل بعيد الميلاد، مهما كانت ذرائعه، وألاّ يهنّىء بالعيد تابعًا لمدرسة اليهود والتّلمود. والمعتاد في الأعياد الميلادية الكتابة عن الميلاد والتهنئة في العيد، بل هذا هو الحقّ والواجب والأصول، وخلاف ذلك مستهجن يدلّ على زيف وانتماء مشكوك فيه- بل أكيد لليهوديّة المعادية للمسيح المهينة له وللسيدة العذراء . وليس خطأ أن نرجو الخير رغم الشرور والسلام رغم الحروب والمحبة بدل الكراهية. بل عيد الميلاد مناسبة عالمية دولية، عند المسيحيين، للمصالحة وللصلوات والاعترافات وغمر الأطفال بالحنان والمسنين بالعطف والأمهات بالإكبار والآباء بالإكرام والفقراء بالعناية والمسحوقين بالاحترام وذوي الاحتياجات الخاصّة بالاهتمام والعائلات "المنقوصة" بالتعزية والسلوان.

الميلاد السيّديّ والحساب الميلاديّ

سنة مولد السيّد المسيح معروفة لا شكّ حولها إذ كانت عام 747 من تأسيس مدينة روما. وقد أنعمت العناية الإلهيّة على الحبر الأعظم الرّومانيّ البابا يوحنّا الأوّل أن يستعين بعبقرية الراهب ذيونيزيوس (الملقّب ب "الصّغير" من باب التّواضع)، سنة 527 ميلاديّة (بمفعول رجعيّ) أن يحسب تاريخ عيد الفصح لسنوات وعقود وقرون مقبلة وأن ينطلق من ميلاد السيد المسيح كمحور لتاريخ الإنسانية. وهكذا قام ذلك الراهب النابغة الإسقوثي الأرمنيّ بحساب السنوات والعقود والأجيال والقرون انطلاقًا من ميلاد المسيح. وتنكّر العبرانيّون وأتباعهم للحساب الميلاديّ. وتبعت مدرستهم جماعات أمريكية تدّعي المسيحيّة وهي يهودية الرئاسة والأهداف فراحت تشير إلى السنوات كالعام كذا أو كذا "من خلق العالم" أو "من الحساب المألوف". وهذا نهجت رئاسة "بيت إيل" لمؤسسة "برج صهيون للمراقبة" في مطبوعاتها في اللغات الأجنبية، لا في العربيّة لئلاّ يفضح أمر يهوديّتها.

مسيحيًّا وإسلاميًّا: الكفر في كتابات جماعات أمريكية تدّعي المسيحيّة أنّ للمسيح ولله- حاشى- جسمًا غير منظور!

يؤكّد قوم أنهم "يتبعون الكتاب المقدّس" ولكنهم يكتبون أمورًا لا وجود لها فيه! ما ورد قَطّ في الكتب المقدّسة أنّ لله- حاشى- جسدًا- وعبارة "جسم روحانيّ" هي تناقض داخليّ، فالروح ليست جسمًا والجسم ليس روحًا، "والله روح" (يوحنا 4) كما قال السيد المسيح للسامريّة. ولم يكن للمسيح جسم "روحاني" ولا ملائكي، لا قبل ميلاده بالجسد ولا بعد انتقاله إلى الأمجاد السماوية حيث أضحى جسده غير قابل للموت ولا للفساد ولكنه لم يتحول إلى "روح" ولا شبح، كما قال لرسله بعد قيامته المجيدة.

من أفراح الميلاد: الأسرة من يسوع ومريم ويوسف

"جاء الرعاة مسرعين، ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في المذود". لم يجدوا الطفل يسوع وحده. والتجاهل للسيدة العذراء وللقديس يوسف هو إجحاف وظلم وجور وغبن وهو حرمان لأتباع الجماعات المنشقة عن الكنيسة. نعم، حرمان لمثال الفتاة والعذراء والزوجة والأم، في مريم العذراء. حرمان من قدوة الأسرة، ولذلك بدأ انحراف الأسرة عند الجماعات التي لا تكرم السيدة العذراء والقديس يوسف، إذ لا مثال أمامهم ولا قدوة، سوى شخصيات العهد القديم حيث انتماؤهم الحقيقي.

المغارة

يفرضها نص الإنجيل المقدس بسبب ذِكر المذود (3 مرات في الفصل الثاني من لوقا). ويوردها بصريح العبارة القديس يوستينوس النابلسي (90- 165) الفيلسوف المدافع عن المسيحية لدى الإمبراطور أنطونينوس بيوس ومع اليهودي "تريفون". وكان القديس فرنسيس الأسيزي من أوّل من فكّر في عرض رمزي لشخصيات الميلاد.

الشّجرة

أضيئت شجرة الميلاد هذه السنة أيضًا في عدد كبير من المدن والقرى، في العالم، في فلسطين وسائر الوطن العربي الكبير والمعمور. وتوجّس بعض الناس خيفة أن تكون "الشجرة" رمزا وثنيّا، فتردّدوا. ولكن الواقع التاريخيّ هو خلاف ذلك تمامًا، وهو مشرّف جدّا، كما سنرى.

أوّلاً: الشجرة ترمز إلى "شجرة الحياة التي وسط الجنّة"، وثانيًا إلى شجرة أي سلالة السيد المسيح ونسله الملوكي (متى 1 ولوقا 3). ثالثًا: الشجرة ترمز إلى الحياة، "والمسيح أتى لتكون لنا الحياة، ولتكون لنا أوفر" (عن يوحنا 10: 10).

رابعًا: الشّجرة بقرب الطفل يسوع أرادها في القرن الثامن الميلادي القديس العظيم فنفريد أي بونيفاسيوس وهو راهب جرماني المانيّ ورع غيور لحظ عبادة بعض الجرمانيين للبلوطة المقدسة, وردعهم عن عبادتها، وما انتهوا. فأخذ فأسًا وقطع الشجرة فسقطت أمامهم. وبذا أثبت أنها مجرّد خليقة ضعيفة. وأراد وضعها عند قدمي الطفل يسوع إشعارًا بنهاية الوثنية بميلاد المسيح، كما سيضع علماء المشرق أدوات السحر من لبان ومُرّ أمام قدمي الطفل يسوع والسيدة العذراء الوالدة ومار يوسف، تخلّيًا منهم نهائيًّا عن الشّعوذة (وسيفعل كذلك سحرة اعتنقوا المسيحيّة، أعمال الرسل 19: 19).

المسرّة: "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السّلام، وفي الناس المسرّة"

لا يفي فرحة العيد وصف، خصوصًا فرح الأطفال به. وفي هذه السنة بالضّبط، في الرابع والعشرين من هذا الشهر، ديسمبر كانون الأول 2018، يحتفل العالم بمرور مئتَي سنة على تأليف كاهن نمساوي موهوب لنشيد "ساد السلام" المعروف بالألمانية ب"شتيله ناخت" والإنكليزية "سايلنت نايت"، المنقول إلى ما يقلّ عن ثلاثمئة لغة. ألّفه الأب يوزف مور وأرسى أنغامه المعلّم الموسيقار فرانتس كاسافيير جروبر. والتراتيل الميلادية مؤثرة تنقل النفس إلى الأعالي وتفرح بالأم والطفل والمربي النجار الفاضل العفيف يوسف.

أعيادًا ميلاديّة مجيدة في بيت لحم وغزّة وكلّ المعمور!

عبرة من الميلاد: المحبة ثم المحبة ثم المحبة، محبة العذراء والقديس يوسف للوليد السامي، محبة الطفل والفتى يسوع لوالدته الطهور ومربّيه الفاضل، محبة الرعاة للطفل الوليد، وإعجاب علماء المشرق بطفل العذراء في بيت لحم! ولا عجب، "فالله محبة ، ومن ثبت في المحبة ثبت في الله"، وتتألق هذه المحبة التي نزلت من السماء إلى الأرض في هذه الأعياد الميلادية المجيدة إذ "ظهر لطف الله مخلّصنا ومحبّته للناس" (تيطس 3: 4).

وكل عام وأنتم بخير!