موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
معهد الآباء الدومنيكان بالقاهرة.. قبلة عالمية في الدراسات التراثية الشرقية

الأهرام المصرية :

<p dir="RTL">عرفت مصر فكرة الرهبنة منذ قرون طويلة، أمّا الرهبنة الدومينيكية فقد ظهرت في القرن الثالث عشر بجنوب فرنسا كإحدى الرهبانيات الكاثوليكية، سميت بذلك نسبة إلى مؤسسها القديس دومينيك (1170-1221). هذا النظام الرهباني قام على الحوار والتعليم والفلسفة.</p><p dir="RTL">وقد أخذ علماء اللاهوت الدومينيكان الفلسفة اليونانية من نسختها المنقولة إلى العربية وكان أبرز ممثليها القديس توما الأكويني الذي قام بكتابة شروح على أعمال ابن رشد وابن سينا الفلسفية، وهكذا كان اتصال النظام الرهبانى الدومينيكي بالفكر الإسلامي جزءًا من أركانه الأصيلة.</p><p dir="RTL">&laquo;رينيه فنسان دو جرانلونيه&raquo; مدير مكتبة المعهد الدومينيكي بالقاهرة درس اللاهوت والفلسفة في مدينة ليل الفرنسية وفي جامعة ستراسبورج، وعاش سنتين في الموصل بالعراق، ثم وصل إلى مصر عام 1997. ودرس علم المخطوطات وتحقيقها في معهد المخطوطات العربية بالقاهرة. وقد أثارت دراساته ومنصبه في المكتبة ووعيه بقضية العلاقة بين الثقافة وتكنولوجيا المعلومات اهتمامًا كبيرًا الأمر الذي دفعه إلى إنشاء البرنامج المسمى بـ&laquo;الكندي&raquo; لإدارة المكتبات المتخصصة في التراث العربي والإسلامي.</p><p dir="RTL">وقد كان هذا الحوار معه:</p><p dir="RTL"><strong>إلى أي مؤسسة أو هيئة يُنسب الدير أو المعهد؟</strong></p><p dir="RTL">هناك كيانان أحيانًا يتم الخلط بينهما، الدير والمعهد، فبالأساس الرهبان الكاثوليك هم من أسسوا المعهد، كما أنهم يعيشون في المكان ذاته، ونفس الأشخاص الذين يديرون الدير هم من يديرون المعهد، بسبب هذا يخلط الناس أحيانًا بين الأمرين. الدير جزء صغير جدًا، خمسة عشر راهبًا من مؤسسة عالمية تجاوزت سبعمائة سنة عبر التاريخ، تأسست في جنوب فرنسا وهي الآن موجودة في معظم بلدان العالم، كنوع من أنواع الرهبنة. والدومينيكان هم رهبان مسيحيون تمامًا مثل الطرق الصوفية في الإسلام، وهم تابعون للكنيسة الكاثوليكية، أكبر الكنائس المسيحية التي تضم مليار مسيحي كاثوليكي عبر العالم. والموقع عبارة عن دير ملحق به معهد، والمعهد تأسس على يد أحد رهبان هذا الدير وهو دكتور مصري يدعى جورج قنواتي ومعه راهبان فرنسيان.</p><p dir="RTL">بالدير والمعهد أنشطة لتدريب ودراسة الدين الإسلامي دراسة علمية من خلال دراسة تراثه عبر القرون العشرة الأولى بعد الهجرة، وذلك لتحقيق جسر تفاهم بين العالمين المسلم، المسيحي، لإذابة أي احتقان بين الفريقين، والذي ينتج دائمًا عن الجهل بالتعاليم الصحيحة للدين، سواء أكان الدين الإسلامي أو المسيحي. وهناك بالطبع رهبانيات كثيرة في العالم، وكل رهبنة لها روحانيتها المختلفة، أما الدومينيكان فإنهم يركزون على المعرفة والبحث العلمي والبحث عن الحقيقة والحوار بين الثقافات والأديان. هذا النوع من الرهبنة موجود في كثير من بلدان العالم. أما المعهد، فقد تمَّ إنشاؤه في مصر، ولا يوجد أي فرع له في أي مكان آخر فى العالم.</p><p dir="RTL"><strong>مكتبة المعهد الدومينيكي من أبرز المكتبات المتخصصة في مجال الدراسات العربية والإسلامية في العالم، فما الذي يميزها عن كبرى المكتبات الأخرى؟</strong></p><p dir="RTL">يعد معهد الآباء الدومينيكان بالقاهرة قبلة عالمية متخصصة في الدراسات التراثية والفكرية العربية الإسلامية، وأكثر ما يهم الباحثين في معهد الدراسات الشرقية في القاهرة مكتبته العريقة الزاخرة بعيون التراث العربي الإسلامي ونتاج الفكر الإسلامي على مر العصور الإسلامية، وقد شرعت المكتبة منذ إنشائها في الدفاع عن حق المعرفة للباحثين والدارسين ونشر روح التسامح والحوار على أرض مصر.</p><p dir="RTL">وحرص الأب والباحث المصري في الفلسفة العربية في القرون الوسطى &laquo;جورج شحاتة قنواتي&raquo; على مد جسور التواصل بين المعهد وعلماء المسلمين كالشيخ عبد الحليم شلتوت، شيخ الأزهر السابق، ورموز الثقافة العربية المصرية، مثل عميد الأدب العربي طه حسين، والمفكر النابغة عباس العقاد، والروائي نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل، ومفكرين آخرين من أمثال الدكتور لويس عوض وسلامة موسى.</p><p dir="RTL">ويتمتع أعضاء المعهد بعلاقات أكاديمية مع عدد كبير من الباحثين في مختلف الجامعات المصرية، خاصة مع جامعة الأزهر الشريف. والمكتبة تعد من أبرز المكتبات المعروفة في مجال الدراسات الإسلامية بالعالم، إذ تضم وفقًا لآخر إحصاءاتها المنشورة أكثر من 155 ألف مجلد، تحتوي على نحو 20 ألف نص من التراث العربي الإسلامى تعود إلى القرون العشرة الأولى من الهجرة النبوية الشريفة، ونحو 8000 عنوان لمجلات دورية غنية في مضمونها البحثي.</p><p dir="RTL">وتهدف المكتبة إلى تغطية مختلف المجالات في الدراسات الإسلامية؛ كاللغة العربية، والتفاسير القرآنية، وعلم الكلام، والشريعة الإسلامية، والفقه، والتاريخ الإسلامى، والفلسفة، والتصوف، وتاريخ العلوم الإسلامية، إلى جانب الدراسات ذات الصلة باللغات العربية والأجنبية، والرسائل البحثية الجامعية في ذات المجال، وجميع أوعية المعرفة السابقة متاحة بدون مقابل لباحثي الدراسات العليا في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والبحثية، سواء المصرية منها أو الأجنبية.</p><p dir="RTL"><strong>ما مدى التعاون والمشاركة بين مكتبتكم والمكتبات المصرية والدولية الأخرى؟</strong></p><p dir="RTL">وفقًا لأعمال التطوير المستمرة في المعهد، نتعاون مع الاتحاد الأوروبي منذ عام 2013 لبحث كيفية إفادة الباحثين مما يقارب مائتي مصنف من التراث الإسلامي في نظام إلكتروني يوفر كل البيانات المتعلقة بتلك المؤلفات. وقد جرى إعداد هذا الفهرس وفقًا لنظام إلكتروني حديث يقدم معلومات الفهرسة الأساسية لكل مصنف ومحتوى داخل المكتبة وفقًا للمعايير الدولية للاتحاد الدولي لمؤسسات المكتبات (إفلا)، فضلاً عن ربط الموضوعات أو العناوين محل البحث بعضها البعض، ويعرض الإنتاج الفكري للمؤلف.</p><p dir="RTL">يسمح الفهرس الجديد بعرض السياق المرتبط بالمؤلفات، كالتعليق، والنقد، أو التحرير، مما يعزز ويسهم في إثراء الخلفية المعرفية للباحث فى مجال التراث والفكر العربي والإسلامى عبر خدمة الفهرس الإلكترونى &laquo;الكندي&raquo;. وقد عكف المعهد على إنشاء هذا النظام الإلكتروني الجديد لفهرسة الإصدارات التراثية العربية الإسلامية بما يظهر عبقرية التراث الإسلامي للباحثين، كما أتاح هذا الإصدار أسلوبًا أفضل للبحث والمقاربة بين مؤلفات الحضارة العربية الإسلامية والحضارات الأخرى، ويعمل المعهد جاهدًا على رسم خريطة فكرية للتراث الإسلامي كمرحلة أولية، ومن المتوقع أن تضم لاحقًا خريطة فكرية شاملة للتراث الإنساني.</p><p dir="RTL"><strong>ما هي أقدم الإصدارات التي تنتج عن المعهد؟</strong></p><p dir="RTL">تصدر مجلة &laquo;حوليات المعهد الدومينيكي للدراسات الشرقية بالقاهرة&raquo; (<span dir="LTR">MIDÉO</span>) منذ عام 1954 وحتى اليوم، بهدف نشر النشاط العلمي للآباء الأوائل الذين أسسوا معهد الدراسات الشرقية، ومنذ ذلك التاريخ حرص هؤلاء الآباء والأجيال اللاحقة على دراسة تاريخ الفكر العربي الإسلامي، وما يختص بمجالات التراث العربي الإسلامي ونشرها في حوليات مجلة المعهد. المجلة تصدر بالفعل من وقت إنشاء المعهد حتى وصلت الآن إلى العدد ثلاثة وثلاثين، كانت تصدر كل سنتين، والآن تصدر سنويًا، وهي متاحة &laquo;أون لاين&raquo; مجانًا، حيث إن المعهد لا يهدف للربح، وحاليًا يعمل المعهد على إتاحة الأعداد السابقة كلها أون لاين للباحثين للاستفادة منها، فكانت تنشر بالفرنسية، لكن الآن تنشر بالعربية وبالإنجليزية.</p><p dir="RTL"><strong>ماذا عن المصنفات التراثية لديكم في مجال التاريخ العربي والإسلامي؟</strong></p><p dir="RTL">مكتبة المعهد تزخر بمجموعة من المؤلفات التي تقع تحت تصنيف تاريخ الأديان، ومن أهم محتوياتها ما يختص بدراسة الأديان والمِلل والنِّحَل، والمقاربات بينها. وفي تصنيف الحضارة العربية الإسلامية تقع العديد من الأفرع المعرفية التي تضم في مبدأها أقسامًا تمهيدية تتضمن جانبًا من الموسوعات الكبرى في الحضارة العربية، وفهارس المخطوطات التي تشتمل بدورها على مجموعة من فهارس المخطوطات العربية بمنطقة الشرق الأوسط وإيران، وإفريقيا، وأوروبا، وآسيا. وتهتم فهارس مخطوطات الشرق الأوسط، على سبيل المثال، بفهارس المخطوطات العربية المحققة في كل من مصر، والعراق، وسوريا، والأردن، واليمن، وسلطنة عمان، وفلسطين، والإمارات العربية المتحدة. كما تُعنى المكتبة بالمطبوعات الصادرة في موضوعات الاستشراق، وعلم المخطوطات، وعلم تحقيق النصوص التراثية.</p><p dir="RTL">وفي باب &laquo;عموميات في الإسلام&raquo; تقع مجموعة مهمة من الإصدارات التراثية على رأسها بعض أعمال الأمير شكيب أرسلان، والكواكبي، والإمام جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا. كما توجد بالمكتبة مجموعة من الأعمال التراثية المحققة ككتاب &laquo;أخلاق النبي وآدابه&raquo;، تأليف الإمام الأصبهاني، ومصنفات متنوعة في علم الحديث الشريف، مثل مصنف &laquo;ألفية الحديث&raquo;، و&laquo;أدب الطلب ومنتهى الأرب&raquo;، ومجموعة من عيون مؤلفات المذاهب الفقهية الأربعة كمؤلفات الإمام السيوطي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم الجوزية.</p><p dir="RTL">وتهتم المكتبة بمؤلفات الفلسفة العربية الإسلامية وأساطينها، فتحوى مجموعة من مصنفات الفلاسفة المسلمين مثل &laquo;الكندي&raquo;، و&laquo;الفارابي&raquo; و&laquo;ابن سينا&raquo; و&laquo;ابن رشد&raquo; وغيرهم. كما توجد العديد من النشرات القديمة والحديثة في صورة مختصرات ومقدمات ودراسات عن الفلسفة الإسلامية باتجاهاتها المختلفة، كفلسفة التصوف، وعلم الجمال، وعلم المنطق.</p><p dir="RTL">وللتصوف وتاريخه قسم خاص في مكتبة المعهد الدومينيكي تتناول أعمال المتصوفة على مدار العصور الإسلامية، ودراسات للطرق الصوفية وأوليائها. وتشغل مطبوعات مجالي التاريخ الإسلامي والطبوغرافية القديمة جزءًا لا بأس به من مجموعات مكتبة المعهد في هيئة وثائق تاريخية، وكتب الرحلات، وسير الملوك والسلاطين العرب، وكتب الحوليات التاريخية، وكتب الطبقات، ودراسات تاريخ المدن الإسلامية في مشرق العالم العربي ومغربه.</p>