موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٤ سبتمبر / أيلول ٢٠١٣
معلولا من الذاكرة

طارق مصاروة :

تثير الحرب السورية في معلولا صوراً من ماض عمره أكثر من نصف قرن. فهذه المدينة الصغيرة ترث لغة الآراميين وعمرها أكثر من أربعة آلاف عام، هي وجارتها جبع.. الباقيتين في زاوية من زوايا تاريخ قديم واحدة – معلولا – مسيحية، والأخرى – جبع – مسلمة!!.

-في مطالع الخمسينيات اضافت وزارة التربية والتعليم السورية عاماً آخر إلى الثانوية – البكالوريا – فصارت اثني عشر عاماً. وقتها تظاهر الطلاب للسماح لهم بتقديم فحوصهم على المناهج القديمة. ووافقت الوزارة على أن يكون الفحص النهائي في دورة أيلول أو تشرين لا أذكر!!.

-وحتى نختصر عاماً بطوله قرّرنا جورج الراعي وأنا أن نذهب إلى قرية الزميل، معلولا، للدراسة دون أن نبقى أسرى السينما، والمكتبة الظاهرية، والبصبصة على «بنات الفرنسيسكان»!!. وهكذا كان فبيت زميلنا ملائم، ومهجور، ومؤلف من طين.. السقف والحوائط والأرض!!

- بعد اكثر من نصف قرن بقي في الذاكرة اشباح اللغة المقدسة – تكلمها المسيح وليس العبرية – وأشباح الناس، وأشباح المنهج الدراسي، لكن الحرب في معلولا أثارت الذاكرة: حصن الروم وحصن الكاثوليك.. دير مار ثقلا. وجارة سمراء سمهرية كانت تهتم بنا. وحين نجلس في مقهى متواضع نحتسي «عصير التفاح» وندرس كانت تمر كالطيف وتقول فيما يشبه الاغراء:

- ما بد – ك از زيخ عابيثا؟!

وهي بمعنى ألا تريد ان تذهب للبيت؟

ففي هذه اللغة: ما بدك التي نستعملها على انها ألا تريد وهي كلمة آرامية ورثناها آلاف السنين. وفيها حرف الـ P الإنجليزي وليس الـ B. أما بيثا فهي البيت العربية واتذكر اسم مدينة الخبز بيثا ليحما وهي بيت لحم المعروفة!!

ترى أين صديقي جورج الراعي؟ سمعت أنه في الأمم المتحدة، وحين زرت العمارة العملاقة وسألت عنه، قيل إنه مجاز. أما الصبية السمراء التي كانت تقدم لنا ضيافة لن أنساها فغابت ملامحها، وبقي الطبق وقطف العنب وقالب الجبنة البيضاء والخبز.. وهو ما يزال، من زمنها، أطيب الطعام!!.

بقيت الحرب، ومعلولا، ولغة المسيح الآرامية التي لم يبق كثيراً منها في الذاكرة المجهدة فهي لغة لا يكتبها أهل معلولا رغم محاولة أديبها العظيم فؤاد الشايب!!.

- ما بدّك ازيخ عابيثا؟!.

الآن آلاف الناس الذين هجروا مدينتهم رعباً، وخوفاً على الأولاد وأمهاتهم.. يسألون أنفسهم: ألا تريدون الذهاب إلى البيت؟؟.

والجواب هو دائماً: بعد أن يحلَّ السلام!.