موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٤ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨
معاناة

د. لانا مامكغ :

تمنّت لو تدفع نصفَ عمرِها ثمناً للنّوم عشرَ دقائق أخرى فقط في ذلك الصّباح حين رنَّ المنبّه فجأة... لكن، كان لابدَّ من النّهوض... تركت الفراش، اتّجهت إلى المطبخ وهي تتعثّر بالأشياء، حضّرت وجبةَ حليبٍ للصّغير الذي أقلقها ببكائه طوال الّليل، صنعت فنجانَ قهوةٍ له، ووجبةَ إفطارٍ للأولاد، ثم دارت عليهم لإيقاظِهم ومساعدتِهم في الاستعداد للذّهاب إلى مدارسِهم.

وفيما خرجَ إلى عمله، توجَّهتْ هي إلى الحضانة حاملةً الصّغير مع حقيبةِ غياراتِه وبعضِ الأدوية... وقفت لحظاتٍ مع المشرفة؛ تشرحُ لها كيفيةَ استعمالِ العلاج، ثم انطلقت إلى عملِها على عجل وقد تركت قلبَها وراءها...

قضت يومَ العمل وهي تنظرُ إلى السّاعة كلَّ حين إلى أن انتهى الدّوامُ أخيراً، هرعت نحو الحضانة، أخذت الطّفل، عادت إلى المنزلِ لاهثة، رمت حقيبتَها جانباً، غيَّرت ثيابَها بسرعة، ركضت نحوَ المطبخ لتسخّنَ الطّعامَ قبلَ عودتِه والأولاد

اجتمعت العائلةُ على الغداء أخيراً، ولمّا همَّت بتناول الّلقمة الأولى، ارتفعَ صراخُ الصّغير، فهرعت نحوَه لتهدئتِه ريثما ينتهي أفرادُ العائلة من تناولِ طعامِهم دونَ إزعاج

بعد ذلك، وفيما اتّجه هو لأخذِ قيلولته اليومية، اتّجهت هي إلى المطبخ مرّةً أخرى لغسلِ الأطباق، فانهمكت في عملِها الذي كانت تقطعُه من حين لآخر؛ لتفضَّ اشتباكاً بين الصّغار.

انتهت أخيراً، جمعَتهم بصعوبة، أجلسَتهم لتأديةِ واجباتِهم المدرسية، ساعدتهم بإنجازِها ريثما حان موعدُ استيقاظه، ذهبت إليه بفنجانِ القهوة المعتاد، أيقظته برفق، شربَ قهوته، ارتدى ثيابَه وخرج.

عادت إلى المطبخ لتحضيرِ وجبةِ الغداء لليومِ التّالي، ولم تكد تنتهي من عملِها حتى ارتفعَ صراخُ الصّغير؛ احتضنته قليلاً حتى نام. بدأت بتحضيرِ العشاء للصّغار، ثمّ ساعدتهم في الاستعداد للنَّوم.

لملمت بعض الأغراض المتناثرة هنا وهناك، مسحت الغبار، جمعت القمامة، نظَّفت الحمّام، قامت بكيّ بعضِ الملابس.

هدأَ البيتُ أخيراً... جلست لوهلة أمامَ التلفزيون دون أن ترى أو تسمع شيئاً، تنهّدت بعمق، أرخت رأسَها قليلاً لتروحَ في إغفاءة كالغيبوبة.

عادَ إلى المنزل، دخلَ إلى غرفةِ المعيشة، لمحَها نائمة، غمغم بكلامٍ ما... بدَّل ثيابَه وهو يشعرُ بالحنْق والرِّثاء لنفسه؛ ففي كلِّ ليلةٍ يتمنّى أن يعودَ ليجدَها بانتظاره... باسمةً، مشرقة، متلهّفة، تضجُّ بالحيوية.

لكنَّه يكتشفُ كلَّ مرَّة أنَّه رجلٌ مغبون، سيّءُ الحظ، ابتلاه القدَرُ بزوجةٍ لم تفهمْه يوماً.