موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١١ مايو / أيار ٢٠٢٠
مجد عباسي تكتب: وماذا بعد...؟
مجد عباسي - عجلون

مجد عباسي - عجلون

مجد عباسي :

 

منحتني كورونا في زمنِ الأوبئة فرصةً لتأمّلِ مرضٍ من نوعٍ آخر: اليأس! شعورٌ داخلي بعدم الراحةِ والاحباط وفقدان الامل والقدرة على امكانية تغيير الاحوال! فهل هذه إشارةُ خطرٍ للعالم كي يعتني بنفسهِ أكثر. منذُ تفشي هذا الكائن المجهريِ الذي ارغمنا على البقاءِ في بيوتنا كالجرذانِ والذي اصبح به الذهابُ للعملِ خوفًا منقطعَ النظير والحذرُ ومراعات التدابير اللازمة للعمل بنظرية المتر الواحد التي لم تسثن العائلة والاقرباء, بل واصبحتْ تعليماتُ الدولة اولويةَ بقاءٍ وليس اختيار رغمَ عدمِ ظهور اي أعراضٍ عليك.

 

كنا قد بدأنا هذه الازمة بمرحلةٍ من عدمِ الاكتراث ضناً منا ان الوباءَ ليس الا لعبةٍ ابتكرتها سياساتُ الدول وستنتهي قريباً واقنعنا انفسنا باننا لن نتاثر الى ان بدأت عدالةُ الخوفِ بأخذِ مسارها! لتغيرَ مصيرنا في دقيقةَ مهرجانات، مؤتمرات، فعاليات محلية، إقليمية، ودولية أما أجلت أو ألغيت تمامًا، بدأ العالم ينشغلُ داخليًا بقطاعاته وافراده، وبدأت الصفقات والرحلاتُ بالتوقف، اغلقتْ المطارات، وعادَ دور الجيشُ الابيض للصف الاول ولاعب كرة القدم والممثل والمغني ووسائل التواصل الاجتماعي للصف الاخير، تأكدنا أن الجدران ليستْ حصنًا كافيًا، كنائسنا ومساجدنا اغلقت بواباتها المقدسة.

 

أما بواباتنا التعليمية، فتحولت إلى منصات الكترونية نرى بعضنا بعضًا من خلال شاشات الصمام الثنائي الباعثة للضوء والتي من خلالها قيمنا نجاحنا والرسوب. الاكسجين الذي كنا نعتقدُ بأنهُ تحصيلٌ حاصل أصبحَ سلعةً صعبةَ المنال والماءُ والصابون هو الواقي الذي نقاتلُ من اجله. فقدت الدولُ الاوربية سِحرها، هاجمَ الكسادُ الولايات المتحدة الامريكية وضربَ الاماكن السياحية، فقدنا سياحتنا آثارنا واهميتنا. دخلَ ربيعنا الخريفْ ونحن بقينا منتظرين، اصبح سلامُنا سلاحًا ذو حدٍ واحدٍ، هرمُ الأولويات انقلبَ رأسًا على عقبْ في غضونِ ساعاتْ واصبحَ الخوفُ سيدَ الموقف وزادَ الرهانُ على وعي الشعبْ وحُب الأنا في الوضع الراهنْ غدا المكوثُ في المنزل والتوقف عن الانجاز بنسبةٍ كبيرة هو الانجاز المنشود.

 

فكلُ الانجازات السابقة بكافةِ الميادين من تكنولوجيا خارقة بين القارات باتت لا شي في وجهِ هذا الصغير. فقد تجاوزَ حدودُ الكرة الارضيةَ وسارعتْ عجلةُ الحياة وفقدنا الصبرَ واصبحَ همنا خبرُ الثامنة لننفجعَ بعدد الاصاباتِ المتتالية والوفياتِ المرقمة. اصبحتْ الطرقاتُ خاليةَ والجسورُ هامدة اربكتنا حياتنا السابقة بغرورها وغطرستها ووضعتنا في زمن الكورونا زمن الكوفيد-19. فقد حان الوقت لنتذكر النفس البشرية وإعادة النظر بمعنى الحياة، اصبح زمنُ الصوم المقدس ومدائح الصلوات ونحن في بيوتنا نشاهد احداثها من الشاشاتِ فقط من الهمومِ التي لم نكن نذكرها.

 

عادَ طعام البيت ليكونَ الخيارُ الاول والوجبات السريعة والمشروبات الوهمية لم تعد اهم الصورِ المبثوثة للاصدقاء، لم تعد المعارضُ العالمية قابلة لعرضِ التحف الرخيصة مرتفعة الأسعار، الأسهم والعقارات والبورصة عادت لمكانها الطبيعي بعدَ ان كنا نحنُ من حجّم مكانها, لم يعد السهرُ والترفُ هنا وهناك من الصور التي نتغني بها وعادتْ الارض بهوائها ومسطحاتها بمائها وسمائها لتغدو بخير بدوننا.

 

وماذا بعد؟

 

فلنتذكر عندَ قرع جرسِ العودة اننا ضيوف هذه الارضْ وباننا لسنا محورَ الحياة. لنتذكر ان الهِباتَ والعطايا لا تساوي الحرية والحياة والقيودْ المفروضة علينا ليست سوى آلياتٍ نصيغها بأنفسنا، لكي نكونَ مستعدين للعودة. فعودتنا مرهونةٌ بالوضع الوبائي القائم بتقديرنا لتكلفةِ سلامتنا ووقايتنا والعملُ على ابطاء وتيرةَ تفشي المرض وتطبيقْ خُطة الانقاذِ المرجوة، للانتقال الى المرحلةِ الاخيرة لنوثق التاريخ بحربٍ عالميةٍ ثالثة أو ربيعٍ عربيٍ آخر، فلا داعي لاهدارِ بصمات الكربونِ بحركاتنا غيرَ المبررة ولتكن حرباً للسلامْ واضحةَ الاركان.

 

ابق آمنًا... ابق في منزلك