موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٧ سبتمبر / أيلول ٢٠١٩
ما الرسالة التي يوجهها البطريرك ميشيل صبّاح لشباب اليوم؟

رام الله – أبونا :

فيما يلي نص الكلمة التي ألقاها البطريرك ميشيل صبّاح خلال افتتاح مهرجان #قصة_ابن_البلد الذي تنظمه الأمانة العامة لشبيبة موطن يسوع – فلسطين:

أولاً أود أن أعلق على معرض الكتاب المقدس الذي زرناه قبل افتتاح هذا المهرجان. أقول كلمة في العهد القديم، الذي يشكل صعوبة في قراءته وفهمه ولا سيما بسبب تفسيرات البعض والذين ينسبون إليه معاني سياسية، نعيشها وتظلمنا اليوم.

العهد القديم والجديد كلاهما كلام الله، مهما كانت التفاسير المختلفة والمتضاربة والمناقضة لمعانيه الحقيقية. أقول بالإيجاز إن العهد القديم يُفهَم في ضوء مفتاحين: الأول، هو رواية وتاريخ خطايا شعب ورحمة الله لهذا الشعب. فهو رمز لتاريخ البشرية بخطاياها ورحمة الله لكل الشعوب. ثانيا: يُفهَم كل ما جاء في العهد القديم في ضوء طبيعة الله سبحانه: الله محبة. فكل ما يعارض محبة الله يجب أن يلاقي تفسيرا حتى يتفق وطبيعة الله، الذي هو رحمة ومحبة. ومن ثم لا يمكن أن يقول الله أو أن يأمر أي فرد أو شعب بقتل أي إنسان أو شعب. وإن ورد مثل هذا، فلا بد من تفسير يطابق بين ما ورد في الكتاب وبين محبة الله.

أبونا بشار فواضله، المرشد العام للشبيبة، طلب مني كلمة موجزة قال لي: ماذا تقول للشبيبة بعد ٥٥ سنة من تأسيسها؟

أقول أولاً: كونوا شبابًا. وحافظوا على شبابكم.

وتحافظون على روح الشباب فيكم بما يلي:

أولاً، أنتم لستم فقط لأنفسكم. أنتم لأنفسكم ولله. فإذًا وثقّوا علاقتكم بالله، وبيسوع المسيح، الذي يريد لكل واحدٍ وواحدة منكم حياةً كاملة على هذه الأرض. نعم! يسوع المسيح وعدنا بالسعادة الأبدية بعد هذه الحياة، ولكنه جاء ليمكّننا من أن نعيش حياةً كاملة في هذه الأرض أيضًا. إن هدفكم أيها الشباب أن تجعلوا حياتكم، وحياة غيركم، حياة كاملة في هذه الأرض. والصعبات كثيرة، والتحديات كثيرة.

ثانيًا: أنتم بعضكم لبعض. ليس أي واحد لنفسه. المحبة قوة.

يُقرأ العهد القديم ويُفهم على ضوء محبة الله. والعهد الجديد يلخص وصية واحدة. قال يسوع المسيح أحبب الرب إلهك وأحبب قريبك كنفسك. هذه الوصية الواحدة تلخّص كل العهد الجديد. إن أحببتم، فأنتم إنسان، فأنتم مسيحيون، فأنتم مواطنون. الحبّ هو إرادة الخير لكل آخر. الحبّ هو تعاون مع الآخر، حتى يتم بناء هذه الأرض التي أرادنا الله فيها.

ابحثوا عمن قد يكون في حاجة. ليس فقط تساعدون من هم في حاجة، بل ابحثوا عنه. ومجتمعنا مليء بالمحتاجين. ومن ثم، هو بحاجة إلى أن يبحث عن المحتاجين حتى تكون فعلاً الحياة كاملة للجميع، من دون تمييز.

ثالثًا: محبتكم هي مثل محبة الله، أعني تشمل جميع خلق الله. الله خلقنا جميعًا، شعوبًا ومللاً وديانات، ويحبنا جميعًا حبًا واحدًا. محبتكم إذًا تشمل الجميع من دون تفرقة، لا في الدين، ولا في غير الدين. المسلم والمسيحي على هذه الأرض معًا يبنيان هذا الوطن. الانغلاق الطائفي أو التطرف الديني في النفس أو في العمل تهلكة للجميع. والتطرف الديني لا يواجَه بالتطرف الديني. بل بالتعاون. المسلم والمسيحي يتعاونان معًا لمواجهة كلّ طائفية أو تعصّب أو أيّ مظهر من مظاهر التطرف.

رابعًا، وأولاً: أنتم لأنفسكم وللوطن. والوطن أنتم تعلمون أنه في معاناة شديدة. ويحتاج إلى جهود جميع أبنائه وإلى محبة جميع أبنائه. محبة للوطن، وللمواطنين، ولأصحاب السلطة فيه. في الصعاب نتعاون. إنْ انتقدنا، انتقادنا يكون للتعاون، وليس للطعن. ولا تكن الهجرة في رؤاكم. إن كانت الحياة في الوطن صعبة، فهذا سبب أولى للبقاء فيه، والمساهمة في تقويته، وليس تركه.

وأُلخّص: أنتم إذًا لأنفسكم ولله، وبعضكم لبعض من دون تفرقة وطائفية، وللوطن، وليس للهجرة. وأنتم ونحن كلنا في ظروف صعبة، وفي الصعاب نصمد، ويبذل كل واحد فينا أقصى محبته ليبقى ويحقق نفسه، ويساعد كل واحد، على أي دين كان، أن يحقق نفسه، ويساعد الوطن لأن يكون ويصل إلى حريته واستقلاله ودولته، وإلى القدس. كونوا شبابًا. كمّلوا شبابكم مع الله، وبالمحبة الشاملة التي تبني الإنسانية فيكم، وتلبّي طموحاتكم، وتبني الكنيسة والوطن.