موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٩ مارس / آذار ٢٠١٩
ما أحوجنا الى تثبيت الموازين ولملمة المعايير

ناديا هاشم العالول :

لا شك أن الفوضى الفكرية والعملية التي احتلت واقع العالم قالبة الموازين مبعثرة المعايير جاعلة للحقيقة وجهيْن أحدهما وجه مطلق ثابت وآخر نسبي قد أخذت بتهديد مصير الإنسانية، إن لم يتم كبح جماحها وبخاصة أن الحال لم يتوقّف عند وجهيْن فقط، بل هنالك سلسلة من وجوه تتغير وتتشكل وفق الزمان والمكان والإنسان، ولسان البعض يقول: «لايوجد شيء ثابت الآن بتفاصيل حياتنا اليومية والعملية وعلى الصعد كافة»!

والأدهى من ذلك أن ما «كنا نعتبرها» دولاً «ديمقراطية» تراها تكيل بمكياليْن متناقضيْن عند التعامل مع الآخر فتخلط المعايير وتقلب الموازين.. عابثة بالحقيقة المطلقة ولسان حال هذه الدول يُسْمِعنا عبارات: مثل :"ربما يكون ذلك صواب بالنسبة لك، ولكنه ليس كذلك بالنسبة لي».

وهكذا تضيع «الطاسة» لأنه إنْ لم يكن هناك حقيقة مطلقة فلا يوجد صواب وخطأ.. حتى بظل حادثة إطلاق النار على المصلّين الساجدين بصلاة الجمعة بنيوزيلندا من قبل متطرف استرالي كان يصطاد الخاشعين برشّاشه المنحوتة عليها عِبارات تندّد بالإسلام والمسلمين.. وبالرغم من إدانة رئيسة وزراء نيوزيلندا لهذه الجريمة الإرهابية إلا أن بعض الأصوات المتحيّزة المنحازة لنفسها وضعت اللوم على الضحية مبرّئة الجلاد لأنها تتعامل بمفهوم النسبية القائل: «ما يُعتبر صواب بالنسبة لك سيُعتبر خطأ بالنسبة لي».. نسبية بغاية السطحية تبدو جذابة لأصحاب المصالح لتبرير أغلاطهم!

للأسف تسوّق «بعض» الدول الكبرى هذا التوجّه المقلوب حتى صدّقته «بعض» الدول النامية أيضاً بما فيها العربية – «بعضها» – فأوصلتنا نتائج تصديقنا له إلى كارثة محققة..

فلنتخيل للحظة عدم وجود «حقيقة مطلقة» وأن كل شيء نسبي (لا يوجد معايير لأي شيء).. فالنتيجة أنّ كل شخص سيحدّد قوانينه وسيعيش بها وسيفعل ما يراه صواباً، وهذا يسبّب المشاكل لأن ما يراه هذا الشخص صواباً قد يضع حياة شخص آخر في خطر!

فمثلاً الاحتيال الذي هو «مرفوض» ويعاقب عليه القانون، يبدو الصواب بعينه للبعض بل «قمّة الشطارة » وهكذا.. فوفق هذه المعايير المغلوطة كل الأشياء ستصبح نسبية وقتْل الناس سيصبح كعدمه بغياب أو تغييب المعيار الثابت، والحقيقة المطلقة..

الحل :

نستشهد بتغريدة جلالة الملك عبد الله الثاني حين وصف المذبحة البشعة بجريمة إرهابية صادمة ومؤلمة مضيفاً: «أن هذه المذبحة توحّدنا للاستمرار في محاربة التطرف والكراهية والارهاب الذي لا دين له» !

فعلا فما أحوجنا كعرب ومسلمين إلى التمسّك بمعايير ثابتة لا يُسمح للعبث بها وذلك عبْر"مشروع عربي يوحدنا »، وإلا ستتعرض شعوبا وأمما للانقراض في ظل قلب الحقائق من قبل طوفان «أصحاب المصالح» حتى لا يُحاسَبوا على أي شيء، وليكونوا أحراراً لفعل ما يريدون بغياب القوانين والعدالة، فعالَم من غير حقيقة مطلقة هو أسوأ انواع العوالم والذي يمكن تخيّله أو وصفه باختصار:

عالَم مجنون، مجنون، مجنون، وما أحوجنا الى تثبيت الموازين ولملمة المعايير !

(الرأي الأردنية)